والثاني مبنيّ للمفعول ، وفي التنزيل : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) [البقرة ، ٢٨٢] ، وهما من أقسط إذا عدل ومن أقام الشهادة ، وسيبويه يقيس ذلك إذا كان المزيد فيه أفعل.
وفهم من قولي «ولا ينقاس» أنه قد يبنى من غير ذلك بالسماع دون القياس ، كما بينته.
ثم قلت : باب ـ وإذا تنازع من الفعل أو شبهه عاملان فأكثر ما تأخّر من معمول فأكثر ، فالبصريّ يختار إعمال المجاور ، فيضمر في غيره مرفوعه ويحذف منصوبه إن استغنى عنه ، وإلّا أخّره ، والكوفيّ الأسبق ، فيضمر في غيره ، ما يحتاجه.
وأقول : لما فرغت من ذكر العوامل أردفتها بحكمها في التنازع ، ويسمى هذا الباب باب التنازع ، وباب الإعمال.
والحاصل أنه يتأتى تنازع عاملين ، وأكثر ، في معمول واحد وأكثر ، وأن ذلك [جائز] بشرطين ؛ أحدهما : أن يكون العامل من جنس الفعل أو شبهه من الأسماء ؛ فلا تنازع بين الحروف (١) ولا بين الحرف وغيره ، والثاني : ألا يكون المعمول متقدما ، ولا متوسطا ، بل متأخرا ؛ فلا تنازع في نحو : «زيدا ضربت وأكرمت» لتقدمه ، ولا في نحو «ضربت زيدا وأكرمت» لتوسطه ، وجوز ذلك بعضهم فيهما (٢).
__________________
(١) أجاز ابن العلج التنازع بين الحرفين ، مستدلا بقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤] ، ويقول الشاعر :
حتّى تراها وكأنّ وكأن |
|
أعناقها مشدّدات بقرن |
فزعم في الآية أن «إن» الشرطية و «لم» النافية تنازعا الفعل الذي بعدهما ، وهو «تفعلوا» ورد ذلك عليه بأن إن تطلب فعلا مثبتا ، ولم تطلب فعلا منفيا ، ومن شرط التنازع الاتحاد في المعنى ، والذي في البيت الذي أنشده من باب التوكيد وليس من باب التنازع.
(٢) الضمير المثنى في قوله «فيهما» يعود إلى المعمول المتقدم ، والمعمول المتوسط بين العاملين.
أما الذين أجازوا أن يتنازع العاملان في المعمول المتقدم فهم المغاربة من النحاة ، ومال المحقق الرضي في شرح الكافية إليه ، بشرط أن يكون المعمول منصوبا ، وهاك نص عبارته ، وقد يتنازع العاملان فيما قبلهما إذا كان منصوبا ، نحو «زيدا ضربت وقتلت ، وبك قمت وقعدت» اه ، ومن تمثيله تفهم أنه أراد بالمنصوب ما يعم المنصوب لفظا وهو المفعول به ، ومعنى وهو الجار والمجرور ، وقد عرفت فيما تقدم أن الجار والمجرور مفعول به في المعنى.