ومن ثمّ قلنا في قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف ، ٩٦] إنه أعمل الثاني ، لأنه لو أعمل الأول لوجب أن يقال «آتوني أفرغه عليه قطرا» وكذا بقية آي التنزيل الواردة من هذا الباب (١).
ثم قلت : باب ـ إذا شغل فعلا أو وصفا ضمير اسم سابق أو ملابس لضميره عن نصبه وجب نصبه بمحذوف مماثل للمذكور إن تلا ما يختصّ بالفعل كإن الشّرطيّة وهلّا ومتى ، وترجّح إن تلا ما الفعل به أولى كالهمزة وما النّافية أو عاطفا على فعليّة غير مفصول بأمّا نحو (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ) أو كان المشغول طلبا ، ووجب رفعه بالابتداء إن تلا ما يختصّ به كإذا الفجائيّة ، أو تلاه ما له الصّدر ك «زيد هل رأيته» وهذا خارج عن أصل هذا الباب ، مثل (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) و «زيد ما أحسنه» ، وترجّح في نحو «زيد ضربته» ، واستويا في نحو «زيد قام وعمرا أكرمته».
وأقول : هذا الباب المسمى بباب الاشتغال ، وحقيقته : أن يتقدم اسم ، ويتأخر عنه عامل ، هو فعل أو وصف ، وكل من الفعل والوصف المذكورين مشتغل عن نصبه له بنصبه لضميره لفظا ك «زيدا ضربته» أو محلا ك «زيدا مررت به» أو لما لابس ضميره ، نحو : «زيدا ضربت غلامه» أو «مررت بغلامه».
والاسم في هذه الأمثلة ونحوها أصله أن يجوز فيه وجهان ؛ أحدهما : أن يرفع على الابتداء ؛ فالجملة بعده في محل رفع على الخبرية ، والثاني : أن ينصب بفعل محذوف وجوبا يفسره الفعل المذكور ؛ فلا موضع للجملة بعده لأنها مفسرة.
______________________________________________________
أنك إذا أعملت الأول أضمرت في الثاني كل شيء يحتاجه ؛ لأنه لا يلزم على الإضمار في الثاني محذور ، بخلاف إعمال الثاني مع الإضمار في الأول ، فإنه يلزم عليه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، فاغتفرناه في المرفوع لشدة الحاجة إليه ، ولم نغتفره في غيره ؛ لعدم الحاجة إليه ، على ما سبق بيانه في شرح الشاهد السابق ص ٤٣٢ الماضية ، وليس بعد ذلك إيضاح ، فتفهمه ، والله يرشدك.
__________________
(١) يريد أن أسلوب القرآن الكريم جرى على إعمال العامل الثاني في كل ما ورد فيه مما يسميه النحاة باب التنازع.