لأن نصرا الثاني مرفوع ، والثالث منصوب ، فلا يجوز فيهما أن يكونا بدلين ؛ لأنه لا يجوز «يا نصر» بالرفع ، ولا «يا نصرا» بالنصب ، قالوا : وإنما نصر الأول عطف بيان على اللفظ ، والثاني عطف بيان على المحل ، واستشكل ذلك ابن الطراوة ؛ لأن الشيء لا يبين نفسه ، قال : وإنما هذا من باب التوكيد اللفظي ، وتابعه على ذلك المحمدان ابنا مالك ومعطي.
فإن قلت : «يا سعيد كرز» بضم «كرز» وجب كونه بدلا ، وامتنع كونه بيانا ؛ لأن البدل في باب النداء حكمه حكم المنادى المستقلّ و «كرز» إذا نودي ضم من غير تنوين ، وأما البيان المفرد التابع لمبني فيجوز رفعه ونصبه ، ويمتنع ضمه من غير تنوين ، ومثله في ذلك النعت والتوكيد ، نحو : «يا زيد الفاضل» و «الفاضل» و «يا تميم أجمعون» و «أجمعين».
وكذلك يمتنع البيان في قولك «قرأ قالون عيسى» ونحوه مما الأول فيه أوضح من الثاني ، وإنما قال العلماء في قوله تعالى : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ* رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) [الشعراء ، ٤٧ و ٤٨] إنه بيان ؛ لأن فرعون كان قد ادعى الربوبية ، فلو اقتصروا على قولهم (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) لم يكن ذلك صريحا في الإيمان بالرب الحق سبحانه وتعالى.
ثم قلت : الرّابع البدل ، وهو : التّابع المقصود بالحكم بلا واسطة ، وهو إمّا بدل كلّ نحو : (صِراطَ الَّذِينَ) أو بعض نحو : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) أو اشتمال نحو : (قِتالٍ فِيهِ) أو إضراب نحو : «ما كتب له نصفها ثلثها ربعها» أو نسيان أو غلط ك «جاءني زيد عمرو» و «هذا زيد حمار» والأحسن عطف هذه
______________________________________________________
عليه حرف النداء وجب بناؤه على الضم ؛ لكن عطف البيان ليس كذلك ؛ بل يجوز فيه الإتباع على اللفظ فيؤتى به مرفوعا منونا كالأول من الاثنين ؛ والإتباع على المحل فيؤتى به منصوبا منونا كالثاني ؛ فمن أجل ذلك صح في هذا البيت بخصوصه أن يكون «نصر نصرا» عطف بيان ، ولم يصح جعل واحد منهما بدلا.