كقولك في وعد : يعد ، وفي وزن : يزن ، وبهذا تعلم لأيّ شيء حذفت في (يَلِدْ) وثبتت في (يُولَدْ)(١).
ثم قلت : والكلام قول مفيد مقصود.
وأقول : للكلام معنيان اصطلاحي ولغوي : فأما معناه في الاصطلاح فهو : القول المفيد (٢) ، وقد مضى تفسير القول ، وأما المفيد فهو الدالّ على معنى يحسن السكوت
__________________
(١) أنت تقول : «أورق الشجر يورق ، وأودع فلان يودع ، وأولى يولي ، وأوصى يوصي» بضم ياء المضارعة وكسر ما بعد الواو ، ولا تحذف الواو ، وتقول «يوصي إلى فلان ، ويوهب له ، ويوعد بالخير ، ويورث» بضم حرف المضارعة وفتح ما بعد الواو لأن الفعل مبني للمجهول ، ولا تحذف الواو أيضا ، وتقول وضؤ فلان يوضؤ ، بفتح حرف المضارعة وضم ما بعد الواو ، ولا تحذف الواو أيضا ، وتقول «وجل فلان يوجل» أي خاف ، بفتح حرف المضارعة وفتح ما بعد الواو ، ولا تحذف الواو أيضا ، فإذا قلت «وعد يعد ، ووصف يصف ، وولي يلي ، وورث يرث» ـ بفتح حرف المضارعة وكسر عين الكلمة ـ حذفت الواو في المضارع وجوبا ، ومن هنا تعلم أن الاستعمال العربي دل على أن شرط حذف الواو وقوعها بين الياء المفتوحة والكسرة ، وأنها لا تحذف فيما إذا كانت الياء مضمومة سواء أكان ما بعد الواو مكسورا كالأمثلة المفتوحة والكسرة ، وأنها لا تحذف فيما إذا كانت الياء مضمومة سواء أكان ما بعد الواو مكسورا كالأمثلة الأولى أم مفتوحا كالتي تليها ، وكذلك لا تحذف الواو إذا كانت الياء مفتوحة وكان ما بعد الواو مضموما أو مفتوحا ؛ فهذه أربعة مواضع تثبت فيها الواو ولا تحذف.
(٢) بعض النحاة يقول في تعريف الكلام : «هو القول المفيد المركب المقصود» فيذكر ثلاثة قيود ـ وهي :
المفيد ، والمركب ، والمقصود ، ومعنى المفيد هو ما ذكره المؤلف ، ومعنى المركب أن يكون مؤلفا تأليفا تاما لا يحتاج إلى ضم شيء إليه ، بأن يكون من اسمين أحدهما مسند إلى الآخر نحو زيد قائم ، أو من فعل واسم نحو قرأ زيد ، وسافر عمرو ، فيخرج بهذا ما ليس مركبا بأن يكون مفردا ، وما كان مركبا ناقصا نحو إن قام زيد ، ومعنى المقصود أن يكون المتكلم قد أراد ما نطق به من المركبات ، فيخرج به كلام النائم والساهي فلا يسمى عند النحاة كلاما ، وبعض النحاة يكتفي بذكر قيد واحد فيقول : الكلام هو القول المفيد ، وهذا هو الذي فعله المؤلف هنا في الشرح ، وهذا الفريق من النحاة يزعم أن «المفيد» يغني عن كل من المركب والمقصود ، وذلك لأنه لا يفيد الفائدة المطلوبة إلا إذا كان مركبا ، ولأن من معنى المفيد : أن يحسن سكوت المتكلم عليه ، والذي يحسن سكوته يكون قاصدا ألبتة لما نطق به ، ومن هنا تعلم أن المؤلف في المتن قد ذكر قيدا يستغنى عنه وهو المقصود ، وترك قيدا آخر يستغنى عنه أيضا وهو المركب ، وهو مؤاخذ على ذلك ، لأنه لم يلتزم طريقا واحدا ، وذلك لأنه إن كان قد ترك قيد التركيب في المتن للاستغناء عنه بالمفيد فما سر ذكره قيد القصد وهو مستغنى عنه مثل التركيب؟ وإن كان قد ذكر القصد لأنه لم يعول على دلالة الالتزام فلما ذا لم يذكر التركيب لهذا السبب؟
بقي أنه قد يقال : إنا وجدنا كلمة مفردة قد تكون قولا مفيدا ، وذلك نحو «نعم» أو «لا» في الجواب ، كأن يقول لك قائل «أحضر عليّ» فتقول : «نعم» ، أو تقول : «لا» فبطل قولكم ، إنه لا يكون قولا مفيدا إلا إذا كان مركبا ، والجواب عن ذلك أن نقول لك : إن التركيب قد يكون ظاهرا وقد يكون مقدرا ، ومن التركيب المقدر ما ذكرت ، فإن نعم في قوة أن تقول : نعم حضر عليّ ، وكذلك لا في قوة أن تقول : لا لم يحضر.