قرأ «عتّى حين» [يوسف ، ٣٥] على لغة هذيل أنكر ذلك عليه ، وقال : أقرئ الناس بلغة قريش ؛ فإن الله تعالى إنما أنزله بلغتهم ، ولم ينزله بلغة هذيل ، انتهى كلامه ملخصا.
وقال المهدوي في شرح الهداية : وما روي عن عائشة ـ رضياللهعنها ـ من قولها : «إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها» لم يصح ، ولم يوجد في القرآن العظيم حرف واحد إلا وله وجه صحيح في العربية ، وقد قال الله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت ، ٤٢] والقرآن محفوظ من اللحن والزيادة والنقصان ، انتهى.
وهذا الأثر إنما هو مشهور عن عثمان رضياللهعنه ، كما تقدم من كلام ابن تيميّة رحمهالله ، لا عن عائشة رضياللهعنها كما ذكره المهدويّ ، وإنما المرويّ عن عائشة ما رواه الفرّاء عن أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنها رضياللهعنها سئلت عن قوله تعالى في سورة النساء (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) [النساء ، ١٦٢] بعد قوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ) وعن قوله تعالى في سورة المائدة : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) [المائدة ، ٦٩] ، وعن قوله تعالى في سورة طه : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه ، ٦٢] فقالت : يا ابن أخي ، هذا خطأ من الكاتب ـ روى هذه القصّة الثعلبيّ وغيره من المفسرين ، وهذا أيضا بعيد الثبوت عن عائشة رضياللهعنها ؛ فإن هذه القراءات كلها موجّهة كما مرّ في هذه الآية ، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى في الآيتين الأخيرتين عند الكلام على الجمع ، وهي قراءة جميع السبعة في (الْمُقِيمِينَ) و (الصَّابِئُونَ) وقراءة الأكثر في (إِنْ هذانِ) فلا يتّجه القول بأنها خطأ ؛ لصحتها في العربية وثبوتها في النّقل (١).
ثم قلت : وألحق به اثنان ، واثنتان ، وثنتان مطلقا وكلا وكلتا مضافين إلى مضمر.
__________________
(١) قد أجاب الأديب النحوي الأندلسي أبو زكريا يحيى بن علي بن سلطان اليفرني الملقب ب «جبل النحو» عن هذه الآية الكريمة بجواب آخر ، وحاصله أن «إن» مؤكدة تعمل النصب والرفع ؛ و «ها» اسم إن ، وهو ضمير القصة ، و «ذان» مبتدأ ، و «لساحران» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن ـ وأقول : يعترض على هذا التخريج باعتراضين : الأول : أن هذا التخريج كان يقتضي أن يكتب في المصحف «إنها ذان لساحران» فأما وقد كتبت (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فإنه يلزم اعتبار «ها» جزءا من «هذان» ويكون حرف تنبيه ، والاعتراض الثاني : أن دخول اللام على خبر المبتدأ ضعيف فلا يجوز تخريج القرآن عليه ، ويمكن أن يجاب عن الأول بأن خط المصحف ليس جاريا على قياس الكتابة العربية المصطلح عليها ، ولهذا لا يجوز أن يقاس عليه ، وعن