السورة التي تليها : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) [المائدة ، ٦٩] فإنه جاء بالواو ، وقد كان مقتضى قياس ما ذكرت أن يكون (وَالصَّابِئِينَ) بالياء ؛ لأنه معطوف على المنصوب ، والمعطوف على المنصوب منصوب ، وجمع المذكر السالم ينصب بالياء كما ذكرت؟
قلت : أما الآية الأولى ففيها أوجه ، أرجحها وجهان :
أحدهما : أن (الْمُقِيمِينَ) نصب على المدح ، وتقديره : وأمدح المقيمين ، وهو قول سيبويه والمحققين ، وإنما قطعت هذه الصفة عن بقية الصفات لبيان فضل الصلاة على غيرها.
وثانيهما : أنه مخفوض ؛ لأنه معطوف على «ما» في قوله تعالى : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي : يؤمنون بالكتب وبالمقيمين الصلاة ، وهم الأنبياء ، وفي مصحف عبد الله (والمقيمون) بالواو وهي قراءة مالك بن دينار والجحدريّ وعيسى الثّقفي ، ولا إشكال فيها.
وأما الآية الثانية ففيها أيضا أوجه ، أرجحها وجهان :
أحدهما : أن يكون (الَّذِينَ هادُوا) مرتفعا بالابتداء ، و (الصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) عطفا عليه ، والخبر محذوف ، والجملة في نية التأخير عما في حيّز «إنّ» من اسمها وخبرها ، كأنه قيل : إن الذين آمنوا بألسنتهم من آمن منهم ـ أي بقلبه ـ بالله إلى آخر الآية.
ثم قيل : والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك.
والثاني : أن يكون الأمر على ما ذكرناه من ارتفاع (الَّذِينَ هادُوا) بالابتداء ، وكون ما بعده عطفا عليه ، ولكن يكون الخبر المذكور له ، ويكون خبر «إنّ» محذوفا مدلولا عليه بخبر المبتدأ ، كأنه قيل : إن الذين آمنوا من آمن منهم ، ثم قيل : والذين هادوا ... إلخ.
والوجه الأول أجود ؛ لأن الحذف من الثاني لدلالة الأول أولى من العكس ، وقرأ أبيّ بن كعب : (والصابئين) بالياء ، وهي مرويّة عن ابن كثير ، ولا إشكال فيها.