فالجواب عنه أن (من) موصولة لا أنها شرطية (١) ، وسكون الراء من (يصبر) : إما لتوالي حركات الباء والراء والفاء والهمزة تخفيفا ، أو لأنه وصل بنية الوقف ، أو على العطف على المعنى ، لأن «من» الموصولة بمنزلة الشرطية لعمومها وإبهامها.
ثم قلت : فصل ـ تقدّر الحركات كلّها في نحو «غلامي» ونحو «الفتى» ويسمّى مقصورا ، والضمة والكسرة في نحو «القاضي» ويسمّى منقوصا ، والضمّة والفتحة في نحو «يخشى» والضمّة في نحو «يدعو» و «يرمى».
وأقول : الذي تقدر فيه الحركات (٢) ثلاثة أنواع : ما تقدر فيه الحركات الثلاث ، وما تقدر فيه حركتان ، وما تقدر فيه واحدة
__________________
(١) حاصل الكلام في هذه الآية الكريمة أن من النحاة من ذكر أن «من» في قوله سبحانه (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) شرطية تجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه ، فقيل لهم : إذا كانت من شرطية فلماذا لم تجزم (يتقي) مع أنه فعل الشرط ، ولو أنها جزمته لحذفت الياء لأن الفعل المضارع المعتل الآخر يجزم بحذف حرف العلة؟ وأجاب المحققون من النحاة القائلون بأن (من) شرطية بجوابين ، أولهما : أن (يتقي) مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، كالفعل الصحيح الآخر تماما ، وقد اختار ابن مالك هذا الجواب وحكى أن من العرب من يثبت أحرف العلة الثلاثة الألف والواو والياء في الفعل المضارع المعتل المجزوم وعلى لغتهم يكون الجزم بالسكون معاملة للمعتل بمعاملة الصحيح ، والجواب الثاني : أن (يتقي) مجزوم بحذف الياء كما هي لغة جمهور العرب ، وهذه الياء ليست لام الكلمة التي حذفها الجازم ، بل هي ياء ناشئة عن إشباع كسرة القاف.
ومن العلماء من زعم أن (من) ليست شرطية جازمة ، بل هي اسم موصول ، وعليه يكون (يتقي) مرفوعا بضمة مقدرة على الياء ، فاعترض على هؤلاء بأن (يصبر) معطوف عليه وهو مجزوم ، فكيف يعطف المجزوم على المرفوع؟ وقد أجاب هؤلاء بثلاثة أجوبة ، الأول : أن سكون الراء في (يصبر) ليس للجزم ، بل هو لتوالي أربع متحركات والعرب تستثقل تواليها فهو مرفوع لأنه معطوف على مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها استثقال توالي أربع متحركات ، والجواب الثاني : أن القارئ وقف على (يصبر) بالسكون ، ثم وصل بنية الوقف ، والجواب الثالث : أنه عطف على المعنى ، أي أنه عامل (من) الموصولة معاملة الشرطية لشبهها بها في العموم والإبهام.
(٢) لم يذكر المؤلف أن السكون قد يقدر أيضا ، وعذره أن الأسباب التي تقتضي تقدير السكون طارئة عارضة ، وليست من جوهر اللفظ ، وأشهر هذه الأسباب اثنان : أولهما التقاء الساكنين نحو قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بكسر نون (يكن) للتخلص من التقاء الساكنين ، والثاني الرويّ ، نحو قول الممزق :
فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي |
|
وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق |
بكسر قاف (أمزق) لأن الشاعر قد بنى القصيدة على كسر الحرف الأخير.