(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ) [الفرقان ، ٤٩] (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة ، ٤٠] (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) [المجادلة ، ١٧].
الثاني : الجزم بحذف الآخر ، نحو «لم يدع» و «لم يرم» قال الله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء ، ٣٦] (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) [القصص ، ٧٧] (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [الإسراء ، ٣٧ ولقمان ، ١٨] وانتصاب (مرحا) على الحال ، أي : ذا مرح (١) ، وقرئ : (مرحا) بكسر الراء.
ثم قلت : باب ـ البناء (٢) ضدّ الإعراب ، والمبنيّ إما أن يطّرد فيه السّكون
__________________
(١) المرح ـ بفتح الميم والراء جميعا ـ مصدر في الأصل ، وهو مثل الفرح في الوزن والمعني ، وقول المؤلف «أي ذا مرح» المقصود به تأويل وقوع المصدر حالا ، وللعلماء فيه ثلاثة تأويلات ، أولها : أنه على حذف مضاف يكون في معنى المشتق ، وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف ، فإذا قلت : طلع زيد بغتة ، وجاءنا ركضا ؛ فهو على تقدير : طلع ذا بغتة. وجاءنا ذا ركض ، أي : صاحب بغتة وصاحب ركض ؛ والتأويل الثاني : أن تجعل المصدر نفسه بمعنى المشتق ، فيكون قولهم «طلع زيد بغتة» بمعنى طلع مباغتا ، ويكون قولهم «جاء زيد ركضا» بمعنى جاء راكضا ، والتأويل الثالث : أن يبقى المصدر على معناه الأصلي ، ولا يكون ثمة مضاف مقدر والقصد المبالغة ، ومراد المتكلم أن يبالغ في زيد حتى يجعله نفس البغتة ، ونفس الركض ، ونفس المرح ، والسر في هذا كله أن الأصل في الحال أن يكون مشتقا لكونه وصفا لصاحبه ، والوصف إنما يكون بالمشتق ، ومثل هذه التأويلات يجري في وقوع المصدر خبرا ، من نحو قولهم : زيد عدل ، وخالد رضا ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) وكذلك تجري هذه التأويلات في وقوع المصدر نعتا.
(٢) البناء في اللغة : وضع شيء على شيء على وجه يقتضي الثبوت والدوام ، وهو في اصطلاح النحاة ما ذكره المؤلف في الشرح بقوله : «لزوم آخر الكلمة .. إلخ» وهنا سؤالان :
أولهما أن يقال : أينحصر الاسم في هذين النوعين المعرب والمبني فلا يخرج عنهما أبدا أم لا ينحصر فيهما فيكون ثمة اسم لا هو معرب ولا هو مبني؟ والجواب عن هذا السؤال أن نعرفك أن مذهب جمهور النحاة بصريهم وكوفيهم : أن الاسم لا يكون إلا واحدا من هذين النوعين ، فكل ما ليس بمعرب مبني ، وكل ما ليس بمبني معرب.
وذهب بعض النحاة إلى أن الاسم ثلاثة أنواع : معرب ومبني ، وما ليس معربا ولا مبنيّا ، وسمى هذا النوع الثالث «خصيا» ومثل له بالاسم المضاف إلى ياء المتكلم نحو غلامي وكتابي وصديقي ، زعم أنه ليس معربا لأنه لزم حركة واحدة ، وليس مبنيّا لأنه لم يشبه الحرف.
وأجيب عن هذا : بأنه معرب ، والحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، وهذا هو ما اختاره المؤلف تبعا لمذهب الجمهور ، وقد تقدم كلامه فيه (انظر ص ٩٤ السابقة).