(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) و (أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) بينهما مقابلة.
(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ...) إلخ سجع مرصع : وهو توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات.
المفردات اللغوية :
(انْشَقَّتْ) تشققت وتصدعت. (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) استمعت له ، وانقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها ، انقياد المطواع الذي يأذن للأمر ، والأذن : هو الاستماع للشيء والإصغاء إليه (١).
ويكون انشقاقها بالغمام ، كما قال تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان ٢٥ / ٢٥].
(وَحُقَّتْ) وحق لها أن تسمع وتطيع وتنقاد. (مُدَّتْ) بسطت واتسعت رقعتها بزوال جبالها وآكامها وأبنيتها. (وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الموتى والكنوز إلى ظاهرها. (وَتَخَلَّتْ) تكلفت في الخلو أقصى جهدها ، حتى لم يبق في باطنها شيء. (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) سمعت وأطاعت في ذلك ، أي في الإلقاء والتخلية. (وَحُقَّتْ) حق لها أن تسمع وتطيع ، وذلك كله يوم القيامة.
وجواب (إِذَا) وما عطف عليها محذوف دل عليه ما بعده تقدير : لقي الإنسان عمله ، أو بعثتم.
(كادِحٌ) جاهد ومجدّ في عملك. (إِلى رَبِّكَ) إلى لقاء ربك ، وهو الموت. (فَمُلاقِيهِ) ملاق عملك من خير أو شر يوم القيامة. (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) أعطي كتاب عمله. (بِيَمِينِهِ) هو المؤمن. (حِساباً يَسِيراً) سهلا لا يناقش فيه ، بأن يعرض عليه عمله ، كما في حديث الصحيحين ، ثم يتجاوز عنه ، وفي الحديث المذكور : «من نوقش الحساب عذّب». (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي يرجع في الجنة إلى عشيرته المؤمنين ، مسرورا بحسابه اليسير.
(مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) هو الكافر ، يؤتى كتاب عمله بشماله من وراء ظهره ، قيل : يغل يمناه إلى عنقه ، ويجعل يسراه وراء ظهره. (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) ينادي عند رؤية ما فيه هلاكه ، قائلا : يا ثبوراه ، وهو الهلاك. (وَيَصْلى سَعِيراً) يقاسي نارا مستعرة ، ويدخل نارا شديدة. (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) كان في عشيرته في الدنيا فرجا بطرا باتباعه لهواه. (يَحُورَ) يرجع ، والمراد : أنه لن يرجع إلى ربه. (بَلى) أي بلى يحور ويرجع إليه ، فهو إيجاب لما بعد (لَنْ) أي جواب لما بعد النفي ، أي نعم يرجع. (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) عالما بأعماله وبرجوعه إليه ، فلا يهمله ، بل يرجعه ويجازيه.
__________________
(١) قال صلىاللهعليهوسلم : «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن» أي يتلوه يجهر به (النهاية لابن الأثير : ١ / ٣٣).