ثم ذكر الله تعالى ما يلاقيه المكذبون الضالون الأشقياء يومئذ بقوله :
(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً ، لِلطَّاغِينَ مَآباً ، لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) أي إن نار جهنم كانت في حكم الله وقضائه مرصدة معدّة للطغاة المتجبرين المتكبرين وهم المردة العصاة المخالفون للرسل ، ومرجعا ومصيرا ونزلا لهم ، حالة كونهم ماكثين فيها ما دامت الدهور. والأحقاب جمع حقب ومفردها حقبة : وهي المدة الطويلة من الزمان ، إذا مضى حقب دخل آخر ، وهكذا إلى الأبد. والمرصاد : إما اسم للمكان الذي يرصد فيه ، وإما صفة بمعنى أنها ترصد أعداء الله.
والآية دليل على أن جهنم كانت مخلوقة ؛ لأن قوله : (مِرْصاداً) أي معدّة ، ومثلها الجنة أيضا إذ لا فرق بينهما.
(لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً) (١) (وَغَسَّاقاً ، جَزاءً وِفاقاً) أي لا يذوقون في جهنم أو في الأحقاب بردا ينفعهم من حرها ، ولا شرابا ينفعهم من عطشها إلا الحميم : وهو الماء الحار الشديد الغليان ، والغساق : وهو صديد أهل النار ، وهذا العذاب موافق الذنب العظيم الذي ارتكبوه نوعا ومقدارا ، فلا ذنب أعظم من الشرك ، ولا عذاب أعظم من النار ، وقد كانت أعمالهم سيئة ، فجوزوا بمثلها ، كما قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى ٤٢ / ٤٠]. وقيل : البرد : النعاس والنوم. ويلاحظ أنه تعالى بعد أن شرح أنواع عقوبة الكفار ، بين أنه جزاء حق وعدل موافق لأعمالهم.
ثم عدد الله تعالى أنواع جرائمهم ، فقال :
__________________
(١) قال أبو حيان في البحر المحيط (٨ / ٤١٤) : والذي يظهر أن قوله : لا يَذُوقُونَ كلام مستأنف ، وليس في موضع الحال ، وإِلَّا حَمِيماً استثناء متصل من قوله : وَلا شَراباً وأن أَحْقاباً منصوب على الظرف ، حملا على المشهور من لغة العرب ، لا منصوب على الحال.