(إِذا مَا ابْتَلاهُ) بالفقر والتقتير (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) ضيّقه. (أَهانَنِ) أذلني وبادرني بالإهانة ، وهذا لقصور نظره وسوء تفكيره ، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين ، والتوسعة قد تؤدي إلى الانهماك في حبّ الدنيا.
ولذلك ذمّه على قوليه السابقين وردعه بقوله : (كَلَّا) كلمة للردع والزجر ، أي ليس الإكرام بالغنى ، والإهانة بالفقر ، وإنما هو بالطاعة والمعصية ، والكفار لا يتنبهون لذلك. (لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) لا يحسنون إليهم مع غناهم. (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) لا يحثون أنفسهم أو غيرهم على إطعام المسكين ، وقراءة حفص : (تُكْرِمُونَ) ، و (تَحَاضُّونَ). (لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) لا يحسنون إليهم مع غناهم. (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) لا يحثون أنفسهم أو غيرهم على إطعام المسكين ، وقراءة حفص : (تُكْرِمُونَ) ، و (تَحَاضُّونَ). (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) الميراث. (أَكْلاً لَمًّا) شديدا ذا لم ، أي جمع بين الحلال والحرام ، فإنهم لا يورثون النساء والصبيان ، ويأكلون أنصباءهم. (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) حبّا كثيرا.
المناسبة :
بعد أن بيّن الله تعالى أنه بمرصد من أعمال بني آدم ، يراقبهم ويجازيهم ، عقّبه بتوبيخ الإنسان على قلة اهتمامه بأمر الآخرة ، وفرط تماديه في إصلاح المعاش الدنيوي ، كأنه قيل : إن الله يؤثر الآخرة ويرغّب فيها ، وأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها وشهواتها ، فإذا صار في راحة قال : ربي أكرمني ورفعني ، وإن فقد الراحة قال : ربي أهانني وأذلني.
وبعد بيان خطأ الإنسان في تصوره واعتقاده هذا ، زجر الناس عن تقصيرهم وارتكابهم المنكرات ، ونبّه لما هو شرّ من ذلك ، وهو أنه يكرمهم بكثرة المال ، ثم لا يؤدون حق الله فيه ، فلا يحسنون إلى اليتامى والمساكين ، ويتناهبون الميراث دون إعطاء النساء والصبيان حقوقهم ، ويحصرون على جمع المال حرصا شديدا.
التفسير والبيان :
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ، فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ، فَيَقُولُ : رَبِّي أَكْرَمَنِ) أي إن الإنسان مخطئ في تفكيره أنه إذا امتحنه ربّه واختبره بالنعم ، فأكرمه