بناها ، وهو الأحسن أو بمعنى من أي ومن بناها ، وقد جاءت (ما) بمعنى (من) قال أهل الحجاز للرعد : سبحان ما سبّحت له ، أي سبحان من سبّحت له.
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها دَسَّاها) أصله : دسّسها ، فاجتمعت الأمثال ، فوجد الاستثقال ، فأبدل من السين الأخيرة ياء ، كما قالوا : قصّيت أظفاري ، في قصصت ، فصار (دسيها) ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
البلاغة :
الشمس والقمر بينهما طباق ، وكذا بين (اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وبين (فُجُورَها وَتَقْواها).
(وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) مقابلة بينها وبين (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) وكذا بين (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) وبين (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها). والطباق والمقابلة من المحسنات البديعية ، كما هو معروف.
في السورة كلها سجع مرصع وهو توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات.
المفردات اللغوية :
(وَضُحاها) قال مجاهد : هو ارتفاع الضوء وكماله ، وقال أبو حيان : المعروف في اللغة أن الضحى هو بعيد طلوع الشمس قليلا ، فإذا زاد فهو الضّحاء ـ بالمد وفتح الضاد : إلى الزوال. (تَلاها) تبعها ، أي أن القمر يتبع الشمس طالعا عند غروبها. (جَلَّاها) أي جلّى الشمس وكشفها وأتم وضوحها.
(يَغْشاها) يغشى الشمس فيغطي ضوءها بظلمته ، أي يزيله ويحجبه. (وَالسَّماءِ) كل ما علاك وارتفع فوق رأسك فهو سماء ، والمراد به الكون الذي فوقك ، وفيه الكواكب. (وَما بَناها) أي ومن رفعها ، وجعل كل كوكب بمنزلة لبنة من بناء سقف ، قال الزمخشري والبيضاوي : وإنما أوثرت على (من) لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها. (طَحاها) بسطها ، مثل دحاها.
(سَوَّاها) أحكم خلقتها وتسويتها وتعديل أعضائها بخلق القوى والغرائز فيها ، وجعل وظيفة لكل منها. (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) عرّفها وأفهمها ، وبيّن لها طريق الخير والشر. والفجور : الفسوق والشر وكل ما يؤدي إلى الخسارة والهلاك. والتقوى : التزام جادة الاستقامة ، وإتيان ما يحفظ النفس من سوء العاقبة.