(لا يَتَكَلَّمُونَ) أي العباد ، وهو تقرير وتوكيد لقوله : (لا يَمْلِكُونَ) قال البيضاوي : فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم إلى الله ، إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صوابا ، كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه ، فكيف يملكه غيرهم؟
(إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) في الكلام. (وَقالَ صَواباً) أي وقال قولا صائبا من المؤمنين والملائكة ، كأن يشفعوا لمن ارتضى. (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) الثابت وقوعه ، الكائن لا محالة ، وهو يوم القيامة. (إِلى رَبِّهِ) إلى ثوابه. (مَآباً) مرجعا ، أي رجع إلى الله بالإيمان والطاعة ، ليسلم من العذاب فيه. (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) يا كفار مكة وأمثالكم ، والإنذار : التحذير من المكروه قبل وقوعه. (عَذاباً قَرِيباً) عذاب يوم القيامة الآتي ، وكل آت قريب. (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) حين يرى كل امرئ ما قدمه من خير أو شر ، والمرء عام ، يشمل الذكر والأنثى ، والمؤمن والكافر. (وَيَقُولُ الْكافِرُ : يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي فلا أعذب ، يقول ذلك عند ما يحشر الله البهائم للاقتصاص من بعضها لبعض ، ثم تردّ ترابا ، فيود الكافر حالها.
المناسبة :
بعد أن وصف الله تعالى وعيد الكفار ووعد المتقين ، ختم الكلام بالإخبار عن عظمته وجلاله وشمول رحمته وعلى التخصيص يوم القيامة ، وأردفه ببيان أن هذا اليوم حق لا ريب فيه ، وأن الناس فيه فريقان : فريق بعيد من الله ، ومصيره إلى النار ، وفريق قريب من الله ، وتكريمه وثوابه ، ومرجعه إلى الجنة ، ثم عاد إلى تهديد الكفار المعاندين وتحذيرهم من عاقبة عنادهم وكفرهم.
التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وشمول رحمته كل شيء ، فيقول :
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ ، لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) أي إن الجزاء الحسن والعطاء الكافي الوافي لأهل الإيمان والطاعة هو ممن اتصف بالعظمة والجلال ، ورب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما ، والرحمن الذي شملت رحمته كل شيء ، والذي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه ، لهيبته وتعاليه ، ثم أكد هذا وقرره بقوله :