وأجلسه معه على البساط ، وسأله عن حاجته ، فقال : حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي.
فتعجب أبرهة ، وقال : أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك ، قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه؟!
فقال له عبد المطلب : إني أنا ربّ الإبل ، وإن للبيت ربّا سيمنعه عنك ، قال : ما كان ليمتنع مني ، قال : أنت وذاك (١). وكان قد عرض عبد المطلب ومن معه من أشراف العرب على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت ، فأبى عليهم ، وردّ أبرهة على عبد المطلب إبله ، ثم رجع وأتى باب البيت ومعه نفر من قريش ، وأخذوا بحلقة باب الكعبة يدعون الله ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده.
ثم زحف الجيش نحو البيت ودخلوا مكة ، وكان معه فيل عظيم اسمه «محمود» كلما وجهوه إلى جهة الحرم ، برك ولم يبرح ، وإذا وجهوه إلى جهة اليمن أو إلى سائر الجهات هرول.
وفي اليوم التالي وبينما عبد المطلب يدعو ، التفت ، فإذا هو بطير من نحو اليمن جهة البحر ، فقال : والله إنها لطير غريبة ، ما هي بنجدية ولا تهامية. وكان مع كل طائر أحجار تحملها بمناقيرها وأرجلها ، فألقتها عليهم ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك. وفرّ الجيش هاربين نحو اليمن ، يتساقطون في الطريق ، وأصيب أبرهة في جسده ، وبدأت أنامله تسقط أنملة أنملة ، ولحمه يتساقط ، حتى قدموا به «صنعاء» فمات شرّ ميتة (٢).
__________________
(١) سيرة ابن هشام : ١ / ٤٩ وما بعدها.
(٢) المرجع السابق : ١ / ٤٣ ـ ٥٧