رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه مبتسما ، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : لقد أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ثم قال : أتدرون ما الكوثر؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عزوجل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم في السماء ، فيختلج (١) العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدث بعدك».
سبب نزول السورة :
أخرج البزار وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة ، فقالت له قريش : أنت سيدهم ، ألا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السقاية ، وأهل السدانة! قال : أنتم خير منه ، فنزلت : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر عن عكرمة قال : لما أوحي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قالت قريش : بتر محمد منا ، فنزلت : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
وأخرج ابن أبي حاتم عن السّدّي قال : كانت قريش تقول إذا مات ذكور الرجل : بتر فلان ، فلما مات ولد النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال العاصي بن وائل : بتر محمد ، فنزلت. وأخرج البيهقي في الدلائل مثله عن محمد بن علي ، وسمى الولد : القاسم ، وأخرج عن مجاهد قال : نزلت في العاصي بن وائل ، وذلك أنه قال : أنا شانئ محمد.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قالت : نزلت يوم الحديبية ، أتاه جبريل ، فقال : انحر واركع ، فقام ، وخطب
__________________
(١) أي ينتزع ويقتطع.