هناك قولان في ذلك :
أحدهما ـ أن فتح مكة كان سنة ثمان في رمضان ، ونزلت هذه السورة سنة عشر ، وروي أنه عاش بعد نزول هذه السورة سبعين يوما ، وتوفي في ربيع الأول سنة عشر ، ولذلك سميت سورة التوديع.
والقول الثاني ـ أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة ، وهو وعد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينصره على أهل مكة ، وأن يفتحها عليه ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) [القصص ٢٨ / ٨٥]. وقوله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) يقتضي الاستقبال ، إذ لا يقال فيما وقع : إذا جاء وإذا وقع.
وعلى هذا القول يكون الإخبار بفتح مكة قبل وقوعه إخبارا بالغيب معجزا ، فهو من أعلام النبوة (١).
والظاهر القول الأول ، بدليل ما قال ابن عمر : نزلت هذه السورة بمنى في حجّة الوداع ، ثم نزلت (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة : ٥ / ٣] فعاش بعدهما النبي صلىاللهعليهوسلم ثمانين يوما. ثم نزلت آية الكلالة (آخر سورة النساء) ، فعاش بعدها خمسين يوما. ثم نزل (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة ٩ / ١٢٨] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما. ثم نزل : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة ٢ / ٢٨١] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما. وقال مقاتل : سبعة أيام (٢).
لكن قال الرازي : الأصح هو أن السورة نزلت قبل فتح مكة (٣).
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣٢ / ١٥٥
(٢) تفسير القرطبي : ٢٠ / ٢٣٣
(٣) تفسير الرازي : ٣٢ / ١٦٤