المفردات اللغوية :
(الصَّاخَّةُ) هي القارعة أو الطامة الكبرى أو القيامة ، وهي النفخة الثانية التي يكون معها البعث ، والمراد بها الصيحة التي تصم الآذان لشدتها ، وصفت بها مجازا ؛ لأن الناس يصخون لها ، والصخ : الضرب بالحديد على الحديد أو بالعصا على شيء ، فيسمع صوت شديد.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) لاشتغاله بشأنه ، وعلمه بأنهم لا ينفعونه. (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) شغل أو حال يكفيه في الاهتمام به ، ويشغله عن شأن غيره ، أي اشتغل كل واحد بنفسه ، مما يدل على الرهبة والخوف الشديد ، و (يُغْنِيهِ) يصرفه عن غيره.
(مُسْفِرَةٌ) مضيئة متهللة مشرقة من البشر ، يقال : أسفر الصبح : إذا أضاء. (مُسْتَبْشِرَةٌ) فرحة بما ترى من النعيم ، وهم المؤمنون. (غَبَرَةٌ) غبار وكدورة ، وهم الكافرون. (تَرْهَقُها) تغشاها. (قَتَرَةٌ) سواد وظلمة كالدخان. (أُولئِكَ) أصحاب هذه الحالة. (هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) الجامعون بين أنواع الكفر : (إنكار وجود الله أو إنكار وحدانيته) والفجور : العصيان والخروج عن حدود الله.
المناسبة :
بعد بيان نعم الله تعالى في نفس الإنسان وفي الآفاق ، وإقامة الأدلة والبراهين بها على كمال قدرة الله عزوجل على البعث وكل شيء ، أبان الله تعالى بعض أهوال القيامة وأحوالها التي تملأ النفس خوفا ورهبة ، ليكون ذلك مدعاة إلى التأمل في الدلائل والإيمان بها والإعراض عن الكفر ، وإلى ترك التكبر على الناس ، وإلى إظهار التواضع إلى كل أحد.
والناس في ذلك الموقف فريقان : سعداء وأشقياء ، والفريق الأول ضاحك مستبشر : وهو من امن بالله ورسله وأطاع ما أمر الله به. والفريق الثاني عابس متكدر ، تعلو وجهه الغبرة وترهقه القترة : وهو الذي أنكر وجود الله وتوحيده ، وأعرض عن قبول ما جاءت به رسل الله.
قال القرطبي : لما ذكر أمر المعاش ، ذكر أمر المعاد ، ليتزودوا له بالأعمال الصالحة ، وبالإنفاق مما امتنّ به عليهم.