تطليقة. قال الله عزوجل : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) فقد جمع الناس على أن الختم للقلوب ، والأسماع ، والغشاوة للبصر. فأبو حنيفة استخرج من هذه الآية هذه المسألة فجعل قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق ، ثم ابتدأ وطالق إن كلمت زيدا. فجاء بها على نسق الآية. فانظر كم وقف على هذه الآية من إنسان ولم يستخرج منها شيئا. وقد بينت في أول كتابي من جنس هذه المسألة ما يستدل به على أن من تاب عن مثل هذا كفر.
وروى عن ابن رزق إلى مصعب بن خارج بن مصعب قال سمعت حمادا يقول ـ في مسجد الجامع ـ وما علم أبى حنيفة؟ علمه أحدث من خضاب لحيتي هذه.
وروى عن أبى بكر أحمد بن على بن عبد الله الزجاجي إلى سفيان بن سعيد وشريك والحسن بن صالح قالوا : أدركنا أبا حنيفة وما يعرف بشيء من الفقه ، ما نعرفه إلا بالخصومات. لا يشك أحد أن كل إنسان محدث وفي حال صغره لا يوصف بالعلم ، ومعرفته بالعلم محدثة ولا يكون العلم قديما إلا لله تعالى وحده. وأنه لم يؤت العلم وهو صبي سوى يحيى. ومع هذا أفعلمه كان محدثا ، ومن ادعى العلم القديم فقد كفر. فهذا شكر أبا حنيفة وهو يظن أنه يثلبه.
وروى عن الحسن بن أبى طالب إلى المزني قال : سمعت الشافعي يقول : ناظر أبو حنيفة رجلا فكان يرفع صوته في مناظرته إياه ، فوقف عليه رجل فقال الرجل لأبى حنيفة : أخطأت. فقال أبو حنيفة للرجل تعرف المسألة ما هي؟ قال لا ، قال فكيف تعرف أنى أخطأت؟ قال أعرفك إذا كان لك الحجة ترفق بصاحبك ، وإذا كانت عليك تشغب وتجلب.
إذا كان الغائب لا يعرف المسألة فقوله وتركه سواء لأنه معترف بالجهل ، وأجهل منه من يعتقد أن هذا مما يطعن به على الأئمة.
وروى عن البرقاني إلى أبى العباس السراج قال سمعت أبا قدامة يقول سمعت سلمة ابن سليمان قال : قال رجل لابن المبارك : كان أبو حنيفة مجتهدا؟ قال : ما كان بخليق لذاك ، كان يصبح نشيطا في الخوض إلى الظهر ، ومن الظهر إلى العصر ، ومن العصر إلى المغرب ، ومن المغرب إلى العشاء فمتى كان مجتهدا؟ قال وسمعت أبا قدامة يقول سمعت سلمة بن سليمان يقول قال رجل لابن المبارك : أكان أبو حنيفة عالما؟