وعامة أهل العراق ، وبلد الروم بأسرهم ، وأكثر أهل الشام ، وفلسطين ، ومصر ، وما برح أصحاب أبى حنيفة قضاة الإسلام في دار السلام التي هي قبة الإسلام إلى هلم. وأما ما هو فإنسان شرفه الله بالعلم والعمل ، فكان علمه وعمله لا يرجح أحدهما على الآخر ، ولم يماثله أحد فيهما ولا قارنه. وأما علمه فباق إلى الآن لا يحتاج من عنده أدنى معرفة إلى طلب الدليل على عظمه ، وأما علمه فمن جملته أنه أقام ـ على ما اشتهر عنه من الجم الغفير الموثوق برواياتهم ـ أربعين سنة يصوم النهار ويقوم الليل. لم يرو عنه أنه رؤى بالليل نائما. وكان يصلى الصبح في المسجد جماعة ثم يعطى ظهره المحراب ويقعد يطارح الناس الفقه ويتكلم في العلم إلى أن يؤذن للظهر ، ثم يقوم فيركع ويصلى الظهر ، فإذا فرغ من صلاته أعطى ظهره القبلة وفعل كذلك إلى العصر ، ثم يصلى العصر ، ويفعل كذلك إلى أن يؤذن المغرب ، ثم يصلى المغرب ثم يفعل كذلك إلى أن يؤذن العشاء فيصليها ثم يقوم إلى بيته فيفطر ثم يجدد وضوءه ، ثم يعود إلى المسجد فيختم القرآن في ركعتين من العشاء إلى الفجر فكان هذا دأبه أربعين سنة. وكان في القرن الذين أثنى النبي عليه الصلاة والسلام عليه بلا خلاف لأنه من القرن الثاني. ثم لم يكن من عامة الناس بل كان من خواصهم في أحكام القرآن والسنة والدين ، وكان من خيار أهل عصره ومعلوم أن من كان في الدرجة الثانية وقد فاق أهلها فليس له منزلة إلا الدرجة الأولى. قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) فقد بين الله تعالى أن من أطاع الله ورسوله فقد لحق بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فحقيق أن يلحقه لكونه من صالحي أهل قرنه بالقرن الأول.
وروى عن البرقاني إلى يحيى هو ابن سعيد القطان ـ وذكر عنده أبو حنيفة ـ قالوا كيف كان حديثه؟ قال : لم يكن بصاحب حديث. هذا لا يصح فإن الناس قد رووا عنه ، ولو لا الإطالة لذكرت كل من روى عنه لأن ذلك موجود في الكتب وقد ذكر الخطيب في التاريخ أنه روى عن جماعة ، وروى عنه جماعة.
وحدث عن الخلال إلى محمد بن حماد المقرئ قال : وسألت يحيى بن معين عن أبى حنيفة. فقال : وأيش كان عند أبى حنيفة من الحديث حتى تسأل عنه؟ كتب الحديث التي رويت عنه مشهورة لا يحتاج إلى ذكرها لاشتهارها.