هذا ، وقد يدعى أن عمومات الحل حاكمة على استصحاب الحرمة لو كان جاريا ، وعلى أصالة الحل والبراءة لو لم يجر ، مثل قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ...)(١) ، وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)(٢) ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)(٣) ، وما في الصحيحين : «وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن» (٤) ، وقريب منهما غيرهما (٥).
وفيه : أن العمومات المذكورة لا تنهض بالاستدلال ، لما هو المعلوم من كثرة التخصيص في الآية الاولى بنحو قد يلزم بحملها على الحصر الإضافي.
وإن كان قد ينافيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام : «أنه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمر والبغال والخيل ، فقال : ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه ، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم خيبر عنها ، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه ، وليست الحمر بحرام ، ثم قال : اقرأ هذه الآية : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...)» (٦).
لكن لا بد من رفع اليد عنه ، لمنافاته للنصوص الكثيرة المعول عليها عند الأصحاب الدالة على تحريم كثير من الامور ، بنحو يلزم كثرة التخصيص المستهجن ، كما ذكرناه في الآية ، فلا بد من حمله على المحرمات المغلظة ـ كما عن الشيخ قدّس سرّه وذكره الطبرسي في الآية ـ أو على التقية في الجواب والاستدلال.
نعم ، ربما يجمع بين الآية وأدلة المحرمات بالنسخ ، لأن سورة الأنعام مكية ـ كما في مجمع البيان ـ وحينئذ فلا مانع من الاستدلال بها في غير مورد
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٤٥.
(٢) سورة المائدة : ٤.
(٣) سورة المائدة : ٥.
(٤) الوسائل ، ج ١٦ باب ٤ ، من أبواب الأطعمة المحرمة ح ١ ، ٧.
(٥) الوسائل ، ج ١٦ باب ٥ ، من أبواب الأطعمة المحرمة ح ٦.
(٦) الوسائل ، ج ١٦ باب ٥ ، من أبواب الأطعمة المحرمة ح ٦.