نعم ، ذكر سيدنا الأعظم قدّس سرّه وجها لا يخلو عن قوة ، وحاصله : أن التذكية ليست من مخترعات الشارع الأقدس ، بل هي من المفاهيم العرفية ، وهي عبارة عما يرفع قذر الموت وخبثه المرتكز في أذهان العرف ، وقد جرى الشارع على المفهوم المذكور ، كما تقدم. ومخالفته للعرف فيها ليست لمخالفته لهم في مفهومها ، بل لمخالفته لهم في بعض مصاديقها.
وحينئذ فحيث كان للعرف طرق خاصة لتحقيق مصاديقها من حيث الموضوع القابل لها والأفعال المحصلة لها ـ من الذبح ونحوه ـ ولم يصدر من الشارع الأقدس شرح تام وتحديد كامل لمصاديقها ، فمقتضى الإطلاقات المقامية جري الشارع فيها على ما عند العرف ، إلا في المورد الذي يثبت خلافه منه وردعه عنه.
ويشهد بجميع ذلك عدم تعرض أدلة أحكام التذكية من الآيات والروايات على كثرتها لشرح مفهومها ولا لتحديد مصاديقها تحديدا كاملا ، بل التحديد من خصوص بعض الجهات ، إما لخروج الشارع عما عند العرف فيها ، كما في اعتبار التسمية والاستقبال ونحوهما ، أو لعدم وضوح ما عند العرف ، أو لاحتمال ردعه عما عندهم وغير ذلك.
بل التعبير بالتذكية في الآية الكريمة مع نزولها في صدر التشريع ظاهر في المفروغية عن التذكية مفهوما ومصداقا ، ولا يكون ذلك إلا بالجري على ما عند العرف ، ومتابعتهم.
والظاهر أن العرف يرى قابلية كل حيوان ذي نفس سائلة قابل للذبح للتذكية. وخروج نجس العين إنما هو لأن التذكية بنظر العرف والشرع مختصة برفع القذارة العرضية والخبث المسبب عن الموت ، دون الخبث الذاتي.
نعم ، لازم ذلك تخفيف التذكية لقذارته ، بحيث يكون الميت منه أشد نجاسة وخبثا من المذبوح ، فيلزم ترجيح المذبوح منه عند الاضطرار ، ولا بأس