كما في دوران الأمر بين الحرمة وغير الوجوب ، كما نبه له بعض مشايخنا.
نعم ، لو كان ملاك الترجيح راجعا للمكلف من حيث أن دفعه للضرر عن نفسه أولى من جلب النفع له فهو ينفع في المقام ، لوضوح أن أهمية دفع الضرر من جلب النفع كما تقتضي ترجيح الأول عند التراحم تقتضي الاحتياط فيه عند الدوران بينه وبين النفع ، بملاك لزوم دفع الضرر المحتمل.
لكنه موقوف على كون احتمال الحرمة مستلزما لاحتمال الضرر بنحو يقتضي تنجيزه ، وهو لو تم يقتضي الاحتياط في الشبهة البدوية ، ولا مجال له ، كما يتضح بمراجعة ما تقدم منا في الفصل السادس من مباحث التعبد بغير العلم.
المقام الثاني : في مقتضى الأصل الثانوي الشرعي
ربما يدعى أن مقتضى الأصل الشرعي الإباحة ، لعموم أدلتها.
والذي ينبغي أن يقال : إن كان المراد بالإباحة ما هو أحد الأحكام الخمسة ، أو ما يعم الأحكام الثلاثة غير التكليفية كما يظهر من المحقق الخراساني ، فلا مجال للبناء عليه ، لامتناع التعبد ظاهرا بما يعلم بعدم ثبوته واقعا ، بل لا بد من احتمال مطابقة الحكم الظاهري للواقعي.
مع أنه لا دليل على الأصل المذكور في غير المقام من موارد الشك في أصل التكليف ، لأن حديث الرفع والسعة والإطلاق ونحوها ظاهرة في رفع الحرج وجعل السعة من حيث احتمال التكليف ، من دون أن تقتضي التعبد بالحل بأحد المعنيين المذكورين.
وأما مثل قوله عليه السّلام : «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه» فهو وإن كان ظاهرا في التعبد بالحل ، إلا أنه ـ مع اختصاصه بالشبهة الموضوعية ، كما تقدم ـ ظاهر في إرادة الحل بالمعنى المقابل للحرمة المتقوم بالترخيص والإذن ، فيعم الوجوب ولا يضاده ، كما يناسبه المقابلة بين الحل والحرمة