لكن الاستدلال بالإجماع لا يخلو عن إشكال ، لقرب استناد المجمعين لحكم العقل المذكور ، أو لغيره مما يأتي الكلام فيه ، فلا يكون إجماعا تعبديا كاشفا عن الحكم الشرعي.
وأما ما يأتي من الاستدلال بسيرتهم في مقام الاستدلال على الرجوع للبراءة فلعله إجماع منهم على الأصل الثانوي ، لمثل حديث الرفع ، لا على الأصل الأولي الذي هو محل الكلام.
ثم إنه قد يستدل على الأصل المذكور ـ بعد حكم العقل والإجماع المتقدمين ـ بأدلة من الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) بناء على أن بعث الرسول كناية عن وصول البيان ، لا مجرد البعث وإن لم يصل البيان ، فإن ذلك هو المناسب لظهور كون القضية ارتكازية ـ كما هو المناسب لسياقها ـ لما هو المرتكز عرفا من توقف العقاب على البيان.
نعم ، لو كانت بصدد بيان لزوم بعث الرسل على الله تعالى لحفظ الملاكات الواقعية وإيصالها للمكلفين ، من باب اللطف الذي لا ينافي اختفاء البيان لطوارئ خارجية ناشئة من المكلفين أنفسهم ، كانت أجنبية عما نحن فيه ، إلا أنه لا يناسب إناطة العقاب به ارتكازا.
فالإنصاف ظهورها في عدم العقاب من دون بيان ، كما هو مفاد حكم العقل في المقام.
وقد أورد شيخنا الأعظم قدّس سرّه على الاستدلال المذكور : بأن ظاهر الآية الشريفة الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث ، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع في الامم السابقة.
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٥.