الأشياء شرعا ما لم يرد النهي عنها ، فيكون مؤكدا لحكم العقل ، بل مغنيا عنه لا ارشادا له ، كسائر موارد الحكم بالاباحة.
إن قلت : لا يمكن جعل النهي الواقعي غاية للإباحة الواقعية ، لاستلزامه جعل أحد الضدين رافعا للآخر ، نظير أن يقال : كل شيء ساكن إلى أن يتحرك.
قلت .. أولا : جعل الشيء غاية لشيء لا يستلزم كونه رافعا له ، وقبح جعل أحد الضدين غاية للآخر إنما هو لوضوح التنافر بينهما الموجب لوضوح ارتفاع أحدهما عند حدوث الآخر بنحو يكون بيانه لغوا ، أما إذا كان المقصود بيان أن أحد الضدين هو مقتضى الطبع الأولي والآخر هو المحتاج إلى علة تقتضيه فلا قبح ، لأنه مزيد فائدة تحتاج إلى البيان ، والمقام من ذلك ، فإن المقصود بيان أن إباحة الأشياء هي مقتضى طبعها الأولي. فتأمل.
وثانيا : ورود النهي من سنخ العلة للحرمة والضيق ، التي هي ضد للإباحة والإطلاق ، وليس بنفسه ضدا للاباحة والإطلاق ، فهو نظير أن يقال : كل شيء ساكن حتى يحرك ، ولا بأس به.
فالإنصاف : أن البناء على إجمال الرواية من هذه الجهة لا يخلو عن قرب.
هذا ، وقد تقدم عند الكلام في مقتضى الأصل الأولي إجمال حديث السعة أيضا وتردده بين الأصل الأولي والثانوي الذي هو محل الكلام ، فلا مجال للاستدلال بكلا الحديثين في المقام.
نعم ، قد يستدل بحديث الاطلاق بضميمة الاستصحاب ، وهو أمر آخر يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
الرابع : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السّلام : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : «لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم ذلك. فقلت : بأي الجهالتين يعذر بجهالته أن ذلك محرم عليه أم