الرابع : انحلال العلم الإجمالي المذكور بسبب قيام الطرق المعتبرة ، لعدم العلم بوجود التكاليف في غير موارد الطرق المذكورة ، ويمكن انطباق المعلوم بالإجمال على مواردها ، كما تقدم نظيره عند الاستدلال بحكم العقل على حجية خبر الواحد.
وقد أطال غير واحد في المقام في أن الانحلال حقيقي أو حكمي ، وهو مبني على ضابط أحد الأمرين ، ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك في الفصل الثاني ، ولا ينبغي الكلام فيه هنا.
هذا تمام الكلام في حجج القائلين بالاحتياط ، وقد عرفت وهنها ، وأن المرجع في المقام أدلة البراءة.
ولا فرق في جميع ذلك بين عدم النص وإجماله ، لعدم صلوح النص المجمل للبيان ، فلا ينهض برفع اليد عن أدلة البراءة المتقدمة.
والظاهر أنه لا إشكال في ذلك لو كان إجمال النص ناشئا من إجمال ما يدل على الحكم ، كما لو دار الأمر بين الوجوب والاستحباب ، أو دار النهي بين الحرمة والكراهة.
أما لو كان ناشئا من إجمال ما يدل على الموضوع ـ كما لو فرض إجمال الغناء بالاضافة إلى بعض الأفراد ، أو إجمال العموم الافرادي وتردده بين الأقل والاكثر ـ فقد يتوهم لزوم الاحتياط ، لصلوح الدليل لإثبات التكليف بالعنوان المجمل على ما هو عليه ، فيجب عقلا إحراز الفراغ عنه بالاحتياط.
وفيه : أن أخذ العنوان اللفظي في التكليف ليس إلّا بلحاظ حكايته عن معناه ، فالمكلف به ليس إلا المعنى ، وحيث فرض إجمال العنوان اللفظي فهو وإن احتمل حكايته عن مورد الشك ، إلا أنه لا يكون بيانا له قطعا ، بل للقدر المتيقن ، فلا يتنجز مورد الشك حتى يجب الفراغ عنه ، ولا مجال لتنجز المعنى على ما هو عليه بعد فرض اختصاص البيان بالمتيقن.