حديثا من طرق العامة وهو أنه قد روى عن النبي (١) (صلىاللهعليهوآلهوسلم) «أنه قد خرج إلى المسجد فرأى في يد عمر صحيفة ، وفيها شيء من التورية ، فغضب (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لما رأى الصحيفة في يده ، وقال : أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية حتى لو كان أخي موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي». قال : في المسالك بعد نقل الخبر المذكور ، وهذا يدل على أن النظر إليها معصية ، وإلا لما غضب منه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لذلك.
أقول : وقد نقل ابن أبى الحديد في شرح نهج البلاغة مثل هذا الخبر عن عمر أيضا بوجه المنع ، وقد ذكرناه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبى الحديد ، وبينا ما فيه من نفاق ذلك الطاغي العنيد.
قال في المسالك : وينبغي جواز الوقف عليها على الوجه الذي يجوز إمساكها لأجله وهو النقض والحجة ، لأن الحجة طاعة ، الا أن الغرض لما كان نادرا أطلقوا المنع عليها ، انتهى.
أقول : ومقتضي ما ذكروه هنا جواز الوقف على كتب الشريعة ، والظاهر أنه لا اشكال فيه ، وهل يدخل في ذلك كتب أهل الخلاف أم لا؟ وجهان مبنيان على أنه هل تدخل تلك الكتب تحت كتب أهل الضلال أم لا وقد تقدم الكلام في ذلك في الموضع المشار إليه آنفا ، فعلى الأول كما هو الأظهر لا يجوز ، وعلى الثاني كما اختاره بعض محققي متأخري المتأخرين يجوز ، والله العالم.
المسئلة الرابعة : إذا وصف الموقوف عليه بصفة أو نسبة ، دخل فيه كل من تناوله الإطلاق عرفا مع اتفاق العرف أو الاصطلاح على ذلك ، والا فالمتعارف عند الواقف ، اعتبارا بشاهد الحال ، ولو كان ثمة قرائن وجب العمل بمقتضاها.
وفي هذا الباب صور منها ـ ما لو وقف على الفقراء ، فان كان الواقف مسلما انصرف إلى فقراء المسلمين ، وان كان كافرا وقلنا بصحة وقف الكافر انصرف
__________________
(١) المسالك ج ١ ص ٣٤٩.