المقام الثاني : قد صرحوا بأنه لو جرح الوصي نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى ، فإنه لا تقبل وصيته ، ولو أوصى قبل ذلك قبلت ، وتدل على ذلك صحيحة أبي ولاد (١) المروية بطرق المشايخ الثلاثة (قدس الله أرواحهم) قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها ، قيل له : أرأيت ان كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه متعمدا من ساعته تنفذ وصيته؟ قال : فقال : ان كان أوصى ان يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت ، أجيزت وصيته في الثلث وان كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت لم تجز وصيته». وهي مع صحة سندها صريحة في المراد ، وما ذكرناه من بطلان الوصية إذا وقعت بعد الفعل المذكور ، هو المشهور بين الأصحاب (رضياللهعنهم) وبه صرح الشيخان وأبو الصلاح وابن البراج ، ونقله ابن الجنيد رواية عن الصادق عليهالسلام وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصولنا وتشهد بصحته أدلتنا أن وصيته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتا عليه.
واحتج في المختلف على القول المشهور زيادة على الصحيحة المذكورة ، قال لنا : أنه سفيه فلا ينفذ تصرفه ، ولأنه في حكم الأموات ، فلا يتصرف في مال غيره ، ولأنه قاتل نفسه ، فلا يتصرف في ماله ، كالوارث لو قتله منع منه.
واعترضه في المسالك : فقال : والكل ضعيف ، أما السفه فلأن الفرض انتفائه وثبوت رشده ، وان اشترطنا انتفائه في غيره ، ومن الجائز أن يفعل بنفسه ذلك لعارض ثم يرجع اليه رشده لو فرض زوال حالته ، وأما عدم استقرار حياته فيكون في حكم الميت فليس بشرط ، والأصل يقتضي نفوذ تصرف الحي العاقل الجامع لباقي الشرائط مطلقا ، والنصوص الدالة على نفوذ المريض مطلقا متناولة له ،
__________________
(١) التهذيب ج ٩ ص ٢٠٧ ح ٨٢٠ وفيه «قلت له» ، الفقيه ج ٤ ص ١٥٠ ح ٥٢٢ وليس فيهما «لعله يموت» ، الكافي ج ٧ ص ٤٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٤١ الباب ٥٢.