لا إشكال في صحة المضاربة ، كما ينادى به قوله في موثقة محمد بن مسلم «لا بأس به ، من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي» ومرجعه الى أن الأب ولي جبرى فتمضى تصرفاته إذا لم تخرج عن الوجه الشرعي ، ويستمر الحكم بالصحة إلى بلوغ المولى عليه ، فإذا كمل كان له فسخ المضاربة ، لأنها عقد مبني على الجواز وتحديد الموصى لها بمدة لا ترفع حكمها الثابت لها بأصل الشرع وانما تظهر الفائدة في التحديد بمدة ، هو المنع من التصرف بعد تمام المدة ، لا التزام بها في تلك المدة مع كونها جائزة شرعا ، ولا يكون الفسخ بعد البلوغ تبديلا للوصية وتغييرا لها ، وهو منهي عنه ، لأن التبديل انما هو في العمل بخلاف مقتضاها ، وهنا ليس كذلك ، لأنه لما أوصى بعقد جائز فقد عرض العامل للفسخ في كل وقت ممكن ، عملا بمقتضاه ، فالفسخ لا يكون تبديلا للوصية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما ذكرناه من الوصية بالمال كلا أو بعضا هو المشهور.
وقال ابن إدريس في كتابه : وقد روي أنه إذا أمر الموصي الوصي أن يتصرف في تركته لورثته ويتجر لهم بها ، ويأخذ نصف الربح ، كان ذلك جائزا وحلالا له نصف الربح ، أورد ذلك شيخنا في نهايته ، إلا أن الوصية لا تنفذ إلا في ثلث ما كان يملكه الميت قبل موته ، والربح تجدد بعد موته ، فكيف تنفذ وصيته ، وقوله فيه وفي الرواية نظر ، انتهى.
وظاهره تخصيص الوصية بالتصرف بالثلث فما دونه ، دون ما زاد على ذلك وأنت خبير بأنه على ما قلناه من اختصاص الروايتين بما إذا كان المال لمولى عليه كالأولاد الصغار ، فإنه ليس في العمل بالخبرين كثير مخالفة لمقتضى الأصول الذي طعن به ابن إدريس ومن تبعه ، فإن ولاية الأب على أطفاله والوصية بهم وبما ينبغي في أموالهم مما لهم فيه المصلحة غير منكور ولا ممنوع شرعا ، وغاية ما ربما يقال : حصول التعريض في مالهم للتلف وهو غير قادح ، لأن الواجب على العامل مراعاة الحفظ ، وما فيه مصلحة العمل بالمال حسب الإمكان.