الموصي هو القدر النافذ فيه وصيته شرعا الى قوله فيكون بمنزلة ما لو أوصى بعين لواحد ، ثم أوصى به لآخر ، وما ذكره ابن إدريس في تعليل ما ادعاه من نسخ الأولى ـ من أن الإنسان لا يستحق من ماله بعد وفاته إلا الثلث ـ لا ينافي تجويز الوصية بأزيد من الثلث ، لإمكان الإجازة ونفوذها بذلك والإجازة على الأقوى عندهم ليست عطية ابتدائية وانما هي تنفيذ الوصية ، فيجوز أن يوصى معتمدا على اجازة الورثة فيكون الوصية صحيحة ، ولا يزول هذا الحكم عنها إلا بلفظ يدل على الرجوع عما سبق وحكم بصحته ، وهو في هذا المثال ونحوه منتف ، فيحكم بصحة الجميع ، ويعمل في الزائد عن الثلث بمقتضى القاعدة المقررة من البدأة بالأول فالأول ، وهذا بخلاف قوله ثلثي بإضافته إلى نفسه ونحوه ، فان الرجوع هنا معلوم بالقرينة القوية ، لما تقدم في كلامه بقوله لأن الإنسان لا يستحق من ماله بعد وفاته إلا ثلث ماله ، وإذا أوصى به لإنسان إلى آخره.
وكيف كان فالمسئلة لخلوها عن النص لا يخلو بعض شقوقها من الاشكال ، سيما في هذا الفرع ، ولهذا قد اختلف كلامهم واضطربت إفهامهم في هذه المسئلة.
قال في المسالك بعد البحث في المسئلة بنحو ما ذكرناه ، واختيار ما حررناه من الفرق بين المسئلتين المتقدمتين في كلام المحقق ما صورته : واعلم أن كلام الأصحاب قد اختلف فيها اختلافا كثيرا ، وكذلك الفتوى ، حتى من الرجل الواحد في الكتب المتعددة ، بل في الكتاب الواحد ، والعلامة في القواعد وافق المصنف على ما ذكره ـ في المسئلتين ، لكنه استشكل بعد ذلك في المسئلة الثانية ، وفي التحرير نسب الحكم في الثانية كذلك إلى علمائنا ، وجعل فيه نظرا ، ووجه الاشكال والنظر مما ذكرناه ، ومن أن كل واحدة منها وصية يجب تنفيذها بحسب الإمكان ، ولا يجوز تبديلها مع عدم الزيادة ، ومجرد اضافة الثلث اليه ، لا يقتضي الرجوع ، لان جميع ماله ما دام حيا له ، فتصح إضافته اليه ، وانما يخرج عن ملكه بالموت ، ونحن نقول بموجبه ، إلا أنا ندعي وجود القرينة في هذه الإضافة