ذكروه بالنسبة إلى المرتد من أنه لا تبطل وكالة المسلم بردته ، لأن الردة غير مانعة من صحة الوكالة ابتداء ، فكذا الاستدامة ، كما صرح به في التذكرة وغيره من غير نقل خلاف الا من بعض العامة ، وبما ذكرنا يظهر ما في دعوى شيخنا المتقدم ذكره أن المسئلة في وكالة المال خلافية ، وأن بعضهم ذهب الى اشتراط العدالة فيها ، ومما يؤيد ما قلناه أيضا ظاهر قوله سبحانه (١) «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ» وبالجملة فإنه يجب القطع بعدم اشتراط العدالة في الوكيل في كلامهم ، والأصل العدم حتى يقوم الدليل على خلافه ، والله سبحانه العالم.
الخامسة : قال في التذكرة : يجب على الوكيل اعتماد ما عين الموكل وقرره معه ، ولا يجوز له المخالفة في شيء مما رسمه له ، فيصح تصرف الوكيل فيما وافق الموكل ، ويبطل فيما يخالفه مع صحة الوكالة ، والموافقة والمخالفة قد يعرفان بالنظر الى اللفظ تارة ، وبالقرائن التي تنضم إليه أخرى ، وأن القرينة قد تقوى فينزل عليها إطلاق اللفظ.
أقول : هذا من جملة الضوابط في الوكالة أيضا ، ومرجعه إلى أنه لا يجوز له المخالفة عما رسمه الموكل ، الا أن تدل القرائن على إرادته ، ورضي الموكل به أو تشهد العادة بذلك ، ولكن لا بد من اطرادها بما دلت عليه ، فإنه يكون حينئذ في حكم المعين ، والمرسوم من جهة الموكل.
ويتفرع على ذلك فروع : منها ـ ما لو أذن له في البيع نسية فباع نقدا أو عين له ثمنا فباع بأزيد منه ، فإنه داخل في المأذون فيه بطريق أولى ، لأنه قد زاد خيرا ، والعرف والعادة يشهدان بذلك ، إلا أنه يجب تقييده بما إذا لم يعلم له غرض في التعيين بذلك وإلا لم يجز التعدي عما رسمه ، وان لم يصرح بالنهي ، لأن الأغراض تختلف في ذلك والمصالح لا تنضبط ، ولو صرح له بالمنع فأولى بعدم الجواز.
__________________
(١) سورة آل عمران ـ الاية ٧٥.