وأنت خبير بأن ما قدمنا ذكره عن أصحاب هذا القول من الكراهة على تقدير الجواز لا إشارة فيه في هذه الأخبار ، فضلا عن الدلالة عليه ، والظاهر أنهم استندوا فيه إلى خوف الفتنة ، وهو أمر آخر كما لا يخفى.
وقيل : بالتحريم مطلقا ونقل عن العلامة في التذكرة ، لعموم قوله تعالى (١) «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ» الآية ، ولاتفاق المسلمين على منع النساء ، أن يخرجن مسافرات ، ولو حل النظر لنزلن منزلة الرجال ، ولأن النظر إليهن مظنة الفتنة وهي الشهوة ، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب ، لأن «الخثعمية (٢) أتت رسول الله صلىاللهعليهوآله في حجة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف ، رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه وصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله وجه الفضل عنها ، وقال : رجل شاب ، وامرأة شابة ، فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان».
وأورد على هذه الأدلة ، أن النهى مختص بما عدا محل البحث ، لقوله عزوجل «إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» ، ودعوى اتفاق المسلمين عليه معارض بمثله ، كما تقدم في أدلة القول الأول ولو ثبت لم يلزم منه تحريم ، لجواز استناده إلى المروة والغيرة ، بل هو الأظهر ، أو على وجه الأفضلية ، وحديث الخثعمية بالدلالة على القول الأول أنسب ، وإليه أقرب ، لدلالته على جواز كشف الوجه يومئذ ، وعدم تحريم النظر ، وصرفه صلىاللهعليهوآلهوسلم وجه الفضل بن العباس ، إنما وقع لأمر آخر ، كما علله به من خوف الفتنة ولا كلام فيه ، كما عرفت لا من حيث حرمة النظر ، ولو كان النظر محرما ، لنهي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من أول الأمر ، لوجوب النهي عن المنكر.
أقول : أنت خبير ، بأنهم في هذا المقام لم يلموا بشيء من الأخبار ، ولم يطلعوا عليها بالكلية ، وإلا فهي الأولى بالاعتبار والاستدلال في الإيراد والإصدار ومن تأمل فيما قدمناه من الأخبار ونحوها غيرها لم يختلجه شك في ضعف القول
__________________
(١) سورة النور ـ آية ٣٠.
(٢) المسالك ج ١ ص ٤٣٦ ، المستدرك ج ٢ ٥٥٤ مع اختلاف في التعبير.