.................................................................................................
______________________________________________________
حكم العام خصوص مقترف الكبيرة.
إلاّ أنّ تطبيقه على مثل حق القصاص بعد الإسقاط لا يخلو من شيء ، وذلك لأنّ الآيات والروايات الناهية عن سفك الدماء محفوفة بقرينة قطعية من أوّل الأمر مانعة عن انعقاد الإطلاق فيها لمن يقتل قصاصا ، فإنّه من مرتكزات العقلاء ومن أحكام الشرائع السابقة ، خصوصا بملاحظة مثل قوله تعالى وَجَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا (١) وقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ (٢) وما دلّ على حرمة الإسراف في القتل ، والكلّ شاهد على أنّ حرمة قتل المؤمن والوعيد بخلود القاتل في النار غير ناظر إلى حكم وليّ الدم الذي يأخذ بحق قصاصه. وليس القتل بسبب حقّ كالقصاص مندرجا في عموم النهي عن قتل المؤمن حتى يرجع إليه لو شك في بقاء السلطنة على القاتل بعد الإسقاط.
وبعبارة أخرى : ارتكازية حق القصاص عند العقلاء ـ بقرينة وروده في الشرائع السابقة وإباء سياق ما دلّ على حرمة قتل المؤمن متعمدا عن التخصيص ، وكون تضيق المحمول من أقوى القرائن على تضيق الموضوع وتقيّده بغير القتل القصاصي ـ تقتضي خروج القتل قصاصا عن عموم النهي موضوعا ، وليس مندرجا فيه حتى يرجع إليه في الشك في التقيّد الزائد ، والمستفاد منها أنّ القتل قد يكون بحقّ كما في الأخذ بالقصاص ، وقد لا يكون بحقّ وهو الذي توعد عليه بالخلود في النار. وأنّهما متقابلان لا يندرج أحدهما في الآخر.
ومنه : ما إذا شكّ في بقاء حقي الخيار والشفعة بعد الإسقاط كبقاء الجواز الحكمي في رجوع الواهب عن هبته ، وارتفاعهما لكونهما من الحقوق التي يكون زمامها بيد ذي الحق ، وقد أفاد قدّس سرّه أنّه لا إطلاق في دليل ثبوتهما لذي الخيار والشفيع ، بل المرجع الاستصحاب بناء على حجيته في الشبهات الحكمية ، وعلى تقدير عدم حجيته فيها فالعمومات الدالة على حرمة أكل مال الناس من دون رضاه محكّمة (٣).
__________________
(١) الشورى ، الآية : ٤٠.
(٢) البقرة ، الآية : ١٩٤.
(٣) مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ٤٩.