ثانيهما : كفاية صدق المعاوضة على البيع ولو لم يكن فيها نقل وتمليك من الطرفين ، ولا انتفاع أحد المتبايعين بمال صاحبه ، فالعبرة فيه بتحقق عنوان المعاوضة والمبادلة بحيث لا يخلو البيع عن الثمن والعوض ، ويكون بذل المال مورد غرض العقلاء. والقيود المأخوذة في تعريف البيع بالمبادلة بين المالين ـ المستفادة من كلام المصباح ـ غير دخيلة في حقيقته العرفية ، سوى كون المبيع عينا ، وأمّا عينية الثمن ، أو تحقق المبادلة في خصوص إضافة الملكية ، أو اختصاص المال بالأعيان فلا دليل على شيء منها لو لم ينهض على خلافها ، ففي بيع سهم سبيل اللّه من الزكاة لا ينتفع البائع بالعوض ، لفرض صرفه في جهات القرب وسبل الخير كالمساجد والمشاهد والقناطر. وإنكار صدق البيع على هذه المعاوضة لا يخلو من مكابرة ، وكذا بيع الوقف بمثله عند اقتضاء المصلحة ، وبيع الحاكم مقدارا من زكاة الحنطة بشيء من زكاة النقدين.
وبناء على تمامية هذين الأمرين وتسلّمهما يظهر أنّ الأصل الأوّلي في الحقوق القابلة للإسقاط والنقل جواز المعاوضة عليها ، فهي وإن لم يصحّ جعلها مبيعا لعدم كونها من الأعيان ، لكنها كالمنافع وعمل الحرّ يصحّ جعلها ثمنا في البيع ، كصحة أخذ العوض بإزاء نقلها وإسقاطها في باب الصلح ، وذلك لصدق المال عرفا عليها ، وكفاية ماليّة الإسقاط والنقل في صحة المعاوضة ، وإمضائها بأدلة المعاملات.
إلاّ أن يستشكل في مالية الحقوق بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه حيث قال : «والأقوى عدم قابلية الحق لوقوعه ثمنا في البيع ، كعدم قابلية وقوعه مثمنا ، سواء جعل نفس الإسقاط والسقوط ثمنا أو جعل نفس الحق. أمّا الأوّل فلأنّ الثمن لا بدّ من دخوله في ملك البائع ، والإسقاط بما أنه فعل من الأفعال والسقوط بما أنه اسم المصدر ليس كالخياطة وسائر أفعال الحرّ والعبد ممّا يملكه البائع ، ويكون طرفا لإضافة ملكية البائع ، ويقوم مقام المبيع في الملكية ، فإنّ هذا المعنى معنى حرفي غير قابل لأن يتموّل إلاّ باعتبار نفس الحق. وسيجيء ما فيه.
وبالجملة : نفس الإسقاط بما أنّه فعل ، وأثره بما أنّه اسم المصدر لا يقبل الدخول في ملك الغير بحيث يتحقق بالنسبة إليه الخروج عن ملك المشتري الى ملك البائع ، ويكون البائع