.................................................................................................
__________________
بوجود لفظي في قبال وجوده في أفق الاعتبار. هذا.
ويمكن أن يستدلّ للمشهور ـ وهو الإيجادية بمعنى التسبيب ـ بتمهيد أمور :
أحدها : أنّ الإنشاء لغة هو الخلق ، ففي الصحاح : «أنشأه الله : خلقه». وفي المجمع : «أنشأكم ، أي : ابتدأكم وخلقكم .. ، والنشأة الأخرى : الخلق الثاني» (١) ولم يثبت نقله الى معنى آخر ، فالإنشاء هو الإيجاد والخلق ، وليس الإبراز مرادفا له ولا مما يؤدّي معناه ، حيث إنّ الإبراز هو الإظهار. قال في المجمع : «وترى الأرض بارزة أي : ظاهرة» (٢) ومن المعلوم أنّ الإبراز مترتب على الوجود ، لأنّه إظهار ، وهو منوط بوجود شيء قبل الإظهار ، فلا يكون الإبراز إنشاء أي إيجادا.
ثانيها : أنّ كل معنى يتصف بالوجود اللفظي حين الاستعمال ، سواء أكان ذلك المعنى موجودا عينيا أم ذهنيا ، وسواء أكان جوهرا أم عرضا. ولكن هذا الوجود اللفظي ليس محل البحث في إيجاد المعنى باللفظ في الإنشاء ، إذ المقصود به وجوده في وعاء الاعتبار ، هذا.
ثالثها : أنّ ترتب الوجود الخارجي وكذا الصفات النفسانية على الألفاظ ترتب المعلول على العلة بمكان من الإمكان ، بل واقع ، كتأثير الكلام العنيف في اصفرار وجه الوجل. وكتأثير ذكر النار ودركاتها وشدة عذابها في حصول الخوف الذي هو من صفات النفس. ومن المعلوم أنّه لا فرق بين الوجود الخارجي والوجود الاعتباري في إمكان عليّة اللفظ لهما ، بل الثاني أهون من الأوّل ، لأنّه اعتبار محض ، بخلاف الوجود الخارجي.
فدعوى إمكان إيجاد المعنى في الجملة في وعاء الاعتبار باللفظ ـ سواء أكان المعنى خارجيا أم اعتباريا وسواء أكان معنى حقيقيّا للفظ أم غيره كالأمثلة المتقدمة من اصفرار وجه الوجل بالكلام العنيف ونحوه ـ غير مجازفة.
رابعها : أنّ المسلّم عدم اتصاف الإنشاء بالصدق والكذب ، وإنّما المتصف بهما هو الإخبار ، وحينئذ فإن قلنا : إنّ الإنشاء هو الإبراز بمعنى إظهار ما في النفس فلا بد من اتّصافه
__________________
(١) مجمع البحرين ، ج ١ ، ص ٤١٥ و ٤١٦
(٢) مجمع البحرين ، ج ٤ ، ص ٦