.................................................................................................
__________________
فيبقى على خبريّته المجتمع مع الهزل والسخريّة.
فالمتحصل مما ذكرنا : أنّ الإنشاء يوجد معناه إذا كان عن جدّ ، ولا ينافيه ما تقدم من معنى الوضع ، لأنّا ندّعي أنّ إيجاد الأمور الاعتبارية من المعاني المقصودة بالتفهيم ، فوضع الواضع هيئات خاصة لإيجادها ، كما أنّ حكاية النسبة ـ التي لها خارج ـ من المعاني المقصودة بالتفهيم ، فوضع لها هيئات خاصة كالجملة الاسمية. فدعوى إمكان إيجاد اللفظ للمعنى في الإنشاء غير مجازفة ، هذا.
هذا كله في الانتصار لما نسب الى المشهور من الإيجاد بمعنى التسبيب.
واستدلّ المحقق النائيني قدسسره على مقالته من كون ألفاظ المعاملات موجدة لتلك العناوين الاعتبارية على حدّ إيجاد الآلة لذي الآلة بما حاصله : أنّ العقود والإيقاعات ليست من باب الأسباب والمسببات وإن أطلق عليها ذلك ، بل إنّما هي من باب الإيجاد بالآلة.
والفرق بين الأسباب والمسببات وبين الإيجاد بالآلة هو : أنّ المسبّب لم يكن بنفسه فعلا اختياريا للفاعل بحيث تتعلق إرادته به أوّلا وبالذات ، بل الفعل الاختياري المتعلّق للإرادة هو السبب ، فيترتّب عليه المسبب قهرا. وهذا بخلاف باب الإيجاد بالآلة ، فإنّ ما يوجد بالآلة كالكتابة باستعانة القلم هو بنفسه فعل اختياري للفاعل ومتعلّق إرادته ، ويصدر عنه أوّلا وبالذات ، ضرورة أنّ الكتابة ليست إلّا عبارة عن حركة القلم على القرطاس بوضع مخصوص ، ومن المعلوم أنّها بنفسها فعل اختياري صادر عن المكلف أوّلا وبالذات ، بخلاف الإحراق ، حيث إنّ الصادر عن المكلّف هو الإلقاء في النار لا الإحراق.
وكذا الكلام في سائر ما يوجد بالآلة من آلات النجارة والصياغة والخياطة وغير ذلك ، فإنّ جميع ما يوجده النجّار مثلا يكون فعلا اختياريّا له ، والمنشار وغيره من آلات النّجارة آلة لإيجاده.
وباب العقود والإيقاعات كلها من هذا القبيل ، فإنّ هذه الألفاظ كلّها آلة لإيجاد الملكية والزوجية والفرقة وغير ذلك. وليس البيع مثلا مسبّبا توليديّا لهذه الألفاظ ، بل البيع بنفسه فعل اختياري للفاعل تتعلّق إرادته به أوّلا وبالذات ويكون إيجاده بيده (١).
__________________
(١) فوائد الأصول ، ج ١ ، ص ٨١