.................................................................................................
__________________
ضرورة كفاية نفس اعتبار المعتبر في وجودها في وعاء الاعتبار بلا حاجة الى اللفظ أصلا ، وإنّما اللفظ مبرز له وحاك عنه.
وعليه فالصحيح أنّ الإنشاء مبرز للاعتبار النفساني لا موجده.
هذا محصل ما أفاده قدسسره (١) في مواضع. وأضاف إليه في بعض كلماته : أنّ العناوين المعاملية ليست هي مجرد الأمور النفسانية الموجودة في أفق الاعتبار فحسب حتى يكون اللفظ مجرّد مبرز لها ، بل البيع مثلا لا يترتب عليه الأثر عرفا وشرعا إلّا بإبرازه ، فموضوع الأثر مجموع المبرز والمبرز. (٢) هذا.
ويمكن أن يورد على القول بالإبراز أوّلا : بأن الإبراز والكشف يستلزمان حصول المنشأ بكلّ ما يدلّ عليه ويبرزه ولو غير اللفظ من إشارة أو كتابة أو إلقاء حصاة أو فتح باب أو غير ذلك ، لأنّ هذا من لوازم العناوين المشيرة التي لا دخل لها في هويّة العناوين المحكية بها والمشار إليها. والالتزام بذلك كما ترى.
وأمّا ثانيا : فلاستلزام ذلك كون الإنشاءات بأسرها إخبارا ، لأنّها حاكية عمّا في النفس ، فإن كانت النسبة الكلامية مطابقة لما في النفس فهي صادقة ، وإلّا فهي كاذبة ، فتتصف بالصدق والكذب. وهذا خلاف ما اتفقت عليه كلمتهم من أنّ الإنشاء لا يتصف بالصدق والكذب ، وإنّما المتصف بهما هو الخبر فقط.
وأمّا ثالثا : فلاستلزامه كون الأحكام الشرعية هي الطلب والكراهة الحقيقيّين القائمين بالنفس اللّذين هما من الأمور الخارجية المباينة للأمور الاعتبارية.
وهذه الوجوه يمكن التفصّي عنها ـ أو عن بعضها ـ بما تقدم في كلامي شيخنا المحقق العراقي والسيد المحقق الخويي قدسسرهما.
وقد يفرض للقول بالإبراز وجه آخر غير ما أفاده العلمان ، ومحصله : أنّ إيجاد الأمر الاعتباري الشرعي أو العقلائي ليس بيد المنشئ ، وإنّما بيده إيجاد موضوع ذلك الأمر الاعتباري كالسفر والحضر ، فانّ المكلف لا يتمكّن من إيجاد حكمهما وهو وجوب القصر أو التمام ، لكنه يقدر على إيجاد موضوعهما أعني به السفر والحضر اللّذين هما موضوعا وجوب
__________________
(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٢٦ و ٢٧
(٢) مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ٥٣