.................................................................................................
__________________
وهذا المقدار لا يزاحم الإجماع على جواز بيع الدين على من هو عليه ، فيلتزم بالملكية الآنية.
ولكنّك خبير بأنّ منشأ الاشكال أخذ التمليك في البيع ، فلو نوقش فيه ـ كما تقدم في جعل إسقاط الحق عوضا ـ لم تكن منافاة بين صحة بيع الدين وتأثيره السقوط من أوّل الأمر بعد المناقشة في اعتبار التمليك في البيع ، فيكون نفس سقوط الدين عوضا من دون حاجة الى اعتبار سبق ملكية الدين للمديون في سقوطه عنه.
وأمّا تنظيره بالتهاتر فيمكن منعه أوّلا : بالفرق بين البابين ، بأنّه في بيع الدين تتّحد الذمة المالكة والمملوكة ، ولا بدّ حينئذ من الالتزام بالسقوط ، وإلّا يلزم كون الإنسان مديونا لنفسه ، وذا حقّ المطالبة على نفسه. بخلاف باب التهاتر ، لتعدد الذمة فيه ، وإنّما أوجبت المماثلة بين ما عليهما براءتهما.
وثانيا : بأنّ التهاتر ـ فيما إذا أتلف الدائن مماثلا لما له في عهدة المديون ـ وإن كان مشهورا بين الفقهاء ، لكن يمكن منعه بصيرورة كل منهما مديونا للآخر ، ويتوقف براءة الذمة على الصلح أو الإبراء كما ذهب إليه المحقق الأردبيلي قدسسره حيث قال معلّقا على كلام العلامة : «ومن عليه حقّ ، وله مثله تساقطا ، وإن كان مخالفا افتقر إلى التراضي» ما لفظه : «لعلّ دليله ما يظهر أنّ الحقّين متساويان من غير فرق ومرجّح ، فيبرء ذمة كل واحد بما له في ذمة الآخر ، ولا يظهر دليل آخر.
وينبغي التراضي ، لأن شغل الذمة معلوم ، ولا تحصل البراءة إلّا به شرعا ، إذ لكلّ حقّ يمكن أن يكون له طلبه واستيفاؤه ، ولا يمنع من ذلك حقّه في ذمته ، كما في الحدود والتعزيرات. ولا شك أنّ الأحوط هو التراضي من الجانبين بالإبراء والصلح ونحوهما ، كما إذا كان مخالفا ..» (١).
وهو في غاية المتانة ، إذ لا دليل على أن مجرد المماثلة بين ما في الذمتين يكون مسقطا قهريّا ، خصوصا مع تنظيره بباب الحدود والتعزيرات ، كما لو قذف شخصان كل منهما الآخر ، فإنّ اشتغال الذمة قطعي ، ومجرّد المماثلة لا يسقط الحد ولا الاستحلال ، فليكن كذلك في
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ٩٩