من الآخر (١). وهو (٢) يتصوّر على وجهين :
أحدهما : أن يبيح كلّ منهما للآخر التصرّف فيما يعطيه من دون نظر
______________________________________________________
(١) هذا معنى المعاطاة لغة بناء على المشهور بين علماء العربية في مدلول هيئة المفاعلة ، قال في شرح النظّام : «و ـ فاعل ـ لنسبة أصله وهو مصدر ثلاثيّة إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر ، للمشاركة صريحا ، فيجيء العكس ضمنا ، نحو : ضاربته وشاركته. الى أن قال : وبمعنى ـ فعّل ـ نحو : ضاعفته ، بمعنى : ضعّفت. وبمعنى ـ فعل ـ نحو : سافرت بمعنى سفرت» (١).
والمستفاد من كلامه استعمال هيئة المفاعلة في غير الاثنين أيضا ، فجعل المعاطاة إعطاء كلّ من اثنين ـ بحيث يكون استعمالها في إعطاء واحد لكونها من المفاعلة مجازا ـ غير ظاهر. وقد عرفت آنفا أعمية المعاملة المتداولة من ذلك ، لجريان النزاع فيما لو كان الإعطاء من طرف واحد ، وغير ذلك.
صور المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين
(٢) يعني : أنّ إعطاء كل واحد للآخر لمّا كان منبعثا عن القصد فإمّا أن يكون المقصود مجرّد إباحة التصرف بمقتضى الإذن المالكي ، وإمّا أن يكون المقصود التمليك على حدّ البيع اللفظي.
ثم إنّ ظاهر المتن جعل مقسم الوجهين المذكورين المعاطاة المعنونة في كتاب البيع ، حيث ذهب جمع من الخاصة والعامة إلى كونها مفيدة للملك ، خلافا لمشهور القدماء من إفادتها الإباحة. وليس المقسم مطلق التعاطي ، وذلك لإمكان تصويره على نحو لا يقصد فيها تمليك ولا إباحة ، كالوديعة بناء على جريان المعاطاة فيها ، وهكذا غيرها من العقود والإيقاعات على ما سيأتي تفصيله في التنبيه الخامس إن شاء الله تعالى.
فان قلت : لو كان المقصود تصوير المعاطاة الواقعة بعنوان البيع فمن المعلوم أنّ مقصود المتبايعين هو تمليك ماليهما لا إباحتهما ، فينبغي حصر المعاطاة ـ بقصد البيع ـ في الصورة الثانية
__________________
(١) شرح النظام ، ص ٥٥