وممّا ذكر (١) يظهر وجه التمسك بقوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).
______________________________________________________
الدليل الثالث : آية التجارة عن تراض
(١) أي : من جعل متعلّق الحلّ في آية حلّ البيع : التصرفات وملازمتها شرعا لصحة البيع ونفوذه يظهر وجه التمسك بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (١). وهذا هو الدليل الثالث ممّا تعرض له المصنف قدسسره من الأدلة على مملّكية المعاطاة. وقد سبقه في الاستدلال به المحقق الكركي قدسسره في كلامه المتقدم عن جامع المقاصد وتعليق الإرشاد ، والمحقق الأردبيلي قدسسره في شرح الإرشاد (٢).
ولا يخفى أنّ الوجوه الثلاثة المشار إليها في الاستدلال بآية حلّ البيع تجري في هذه الآية المباركة أيضا ، والمهمّ منها فعلا ـ بنظر الماتن ـ هو الوجه الأوّل ، أعني به دلالة الآية بالمطابقة على حلية التصرف تكليفا في المأخوذ بالتجارة عن تراض ، وبالدلالة الالتزامية على صحتها ومملّكيتها ، لأنه قدسسره أحال تقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة على ما ركن إليه في آية حلّ البيع ، فيقال : المعاطاة المقصود بها الملك تجارة عن تراض ـ إذ التجارة هي التصرف في رأس المال طلبا للربح (٣) ـ والتصرفات المالكيّة المترتبة على التجارة جائزة ، فالتصرف في المأخوذ بالمعاطاة جائز ، وهذا الجواز التكليفي يستلزم شرعا صحة المعاطاة ومملّكيتها.
وكيف كان فوجوه الاستدلال بهذه الآية الشريفة متعددة ، من جهة كون الأكل كناية عن التصرف أو عن التملك ، ومن جهة كون النهي في المستثنى منه مولويا أو إرشادا إلى الفساد ، وكون الجواز في المستثنى إباحة تكليفية أو إرشادا إلى الصحة ، ومن كون الاستثناء متصلا أو منقطعا. لكن المهم منها اثنان ، تعرض المصنف لأحدهما ، وسيأتي ذكر الآخر في التعليقة
__________________
(١) النساء الآية : ٢٨.
(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٥٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٤٢.
(٣) مفردات ألفاظ القرآن الكريم للراغب الأصفهاني ، ص ٧٣.