.................................................................................................
__________________
وأخرى بالمستثنى ، بأن يقال : إنّ إطلاق تجويز أكل المال الحاصل بالتجارة يقتضي جوازه بعد الرجوع والفسخ أيضا ، وهذا الإطلاق الأحوالي يكشف عن عدم نفوذ الفسخ ، وإلّا لم يكن وجه لجواز الأكل حينئذ.
وثالثة : بالحصر المستفاد من مجموع الجملتين.
لكن ابتنى السيد قدسسره في حاشيته الاستدلال بالحصر على كون الاستثناء متّصلا بأن يقال في تقريب الاتصال : كأنّه قيل : لا تأكلوا أموال الناس إلّا أن تكون تجارة ، فإنّ كل أكل باطل نظير قولك : «لا تعبد غير الله شركا» أي فإنّه شرك ، فيكون المستثنى منه الأموال ، وقوله تعالى : «بِالْباطِلِ» قيدا توضيحيا ، وذكره لبيان علة الحكم ، لا احترازيا. أو يقال : انّ المستثنى منه محذوف أي : لا تأكلوا أموال الناس بوجه من الوجوه إلّا بوجه التجارة فإنّ الأكل لا بهذا الوجه باطل (١).
وأنت خبير بما فيه ، إذ الكلام في ظهور الآية في كون الاستثناء متّصلا ، لا في إمكانه حتى يتكلّف في وجه تصوره بما ذكره. وما أفاده في وجه الاتصال خلاف الظاهر وتأويل مخالف لفهم العقلاء ولكلمات المفسرين وللروايات الواردة في نزول الآية المباركة ، وقد تقدم بعضها كصحيحة زياد بن عيسى ، فإنّ ظاهر تلك الروايات كظاهر نفس الآية هو النهي عن الأكل بالسبب الباطل ، فالقيد احترازي لا توضيحي ، فالاستثناء حينئذ منقطع كقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٢).
والحاصل : أنّ الاستثناء ليس متصلا أوّلا. وعلى فرض الاتصال يمكن منع دلالة الآية على الحصر في التجارة ثانيا ، لأنّ قوله تعالى «بِالْباطِلِ» تعليل لحرمة الأكل ، إذ المتفاهم العرفي منه كون البطلان موجبا لذلك ، كما أنّ الظاهر المتفاهم عرفا أنّ استثناء التجارة في مقابل الباطل لكونها حقّا.
وعلى هذا فالمستفاد حلية الأكل بكل حقّ ، وحرمته بكل باطل ، فلا يختص الحق
__________________
(١) حاشية المكاسب ، ص ٧٤.
(٢) الواقعة ، الآية : ٢٥.