.................................................................................................
______________________________________________________
صلوات الله وسلامه عليه نتوسّل ونستجير :
إنّ الاستدلال بالآية المباركة يكون تارة بجعل الأمر بالوفاء مولويا ، وأخرى إرشادا إلى صحة المعاملة بالمعنى الأعم ، ولمّا كان مختار المصنف هو الأوّل كان اللازم الاقتصار على المقدمات الدخيلة في إثبات مقصوده قدسسره.
الأولى : أنّ الأصل الأوّلي في مدلول هيئة «افعل» هو الوجوب التكليفي وبعث المكلّف نحو المادّة ، وهذا أصل متّبع لا يرفع اليد عنه إلّا بقرينة ، كما التزموا به في صرف الأمر بأجزاء المركبات إلى الإرشاد إلى الجزئية. وأمّا في المقام فلا قرينة تقتضي الحمل على الإرشاد إلى صحة المعاملة ولزوم العقد ، فيبقى الأمر بالوفاء على ظاهره من الوجوب المولوي.
الثانية : أنّ معنى الوفاء الذي وقع في حيّز الأمر هو القيام بمقتضى العقد ، كما عن البيضاوي ، فإذا دلّ عقد البيع على تمليك العاقد ماله لغيره وجب عليه العمل بمقتضاه من تسليمه الى المشتري ، وترتيب آثار مملوكيته له ، فلا يجوز أخذه منه بغير رضاه ، فإذا تصرّف البائع فيه بغير رضى المشتري كان ذلك نقضا للعقد لا وفاء به.
ثم إنّ في هذا الوفاء المأمور به مدلولا آخر ، وهو إطلاقه الأزماني والأحوالي ، وربما يعبّر عن الأوّل بعمومه بحسب الأزمان ، كما في دوران الأمر بين الرجوع الى حكم العام واستصحاب حكم المخصّص.
الثالثة : أنّ «العقود» التي يجب الوفاء بها تكليفا والعمل بمقتضاها قد اختلفت كلماتهم في المراد بها في خصوص الآية المباركة ، كما اختلفت كلمات أعلام اللغة في أصل معنى العقد ، فينبغي الإشارة إلى كلا الاختلافين.
أمّا في معناه اللغوي ففي اللسان : «العقد نقيض الحل» (١) وفي المفردات : «الجمع بين أطراف الشيء ، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ، ثم يستعار ذلك
__________________
(١) لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٢٩٦.