مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ، أي : ليكوننّ أحد الأمرين : إمّا إخراجكم عن القرية ، أو عودكم في الكفر.
وشعيب لم يكن في ملّتهم قطّ ، لأنّ الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر مطلقا. لكن غلّبوا الجماعة على الواحد ، فخوطب هو وقومه بخطابهم. وعلى ذلك أجري الجواب في قوله : (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) (٨٨) ، أي : وكيف نعود فيها ونحن كارهون لها ، أو أتعيدوننا في حال كراهتنا؟
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً) : قد اختلقنا عليه.
(إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) : شرط جوابه محذوف ، دل عليه «قد افترينا». وهو بمعنى المستقبل ، لأنّه لم يقع. لكنّه جعل كالواقع ، للمبالغة. وأدخل عليه «قد» ، ليقرّبه من الحال ، أي : قد افترينا الآن إن هممنا بالعود بعد الخلاص منها ، حيث نزعم أنّ لله ندّا. وأنّه قد بيّن لنا أنّ ما كنّا عليه باطل ، وما أنتم عليه حقّ.
وقيل (١) : إنّه جواب قسم ، تقديره : والله لقد افترينا.
(وَما يَكُونُ لَنا) : وما يصحّ لنا.
(أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) : خذلاننا ومنعنا الإلطاف ، بأن يعلم أنّه لا ينفع فينا. أو أراد به حسم طمعهم في العود ، بالتّعليق على ما لا يكون.
(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) ، أي : أحاط علمه بكلّ شيء ممّا كان وما يكون منّا ومنكم.
(عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) : في أن يثبّتنا على الإيمان ، ويخلّصنا من الأشرار.
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) : أحكم بيننا. والفتّاح ، القاضي.
والفتّاحة ، الحكومة. أو أظهر أمرنا حتّى ينكشف ما بيننا وبينهم ، وتمييز المحقّ من المبطل. من فتح المشكل : إذا بيّنه.
(وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٨٩) : على المعنيين.
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) : وتركتم دينكم.
(إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) (٩٠) : لاستبدالكم ضلالته بهداكم. أو لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتّطفيف. وهو سادّ مسدّ جواب الشّرط ، والقسم الموطّأ باللّام.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٩.