بها وتمكنّهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التّمثيل. ويدلّ عليه (قالُوا بَلى شَهِدْنا).
وقيل (١) : لا يبعد أن يكون ذلك النّطق باللّسان الملكوتيّ في العالم المثاليّ ، الّذي دون عالم العقل. فإنّ لكلّ شيء ملكوتا في ذلك العالم ، كما أشير إليه بقوله ـ سبحانه ـ : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ). والملكوت باطن الملك ، وهو كلّه حياة. ولكلّ ذرّة لسان ملكوتي ناطق بالتّسبيح والتّمجيد والتّوحيد والتّحميد. وبهذا اللّسان نطق الحصى في كفّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وبه تنطق الأرض يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) ، وبه تنطق الجوارح. أنطقنا الله ، الّذي أنطق كلّ شيء.
(أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : كراهة أن تقولوا.
(إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (١٧٢) : لم ننبّه عليه.
(أَوْ تَقُولُوا) : عطف على «أن تقولوا».
وقرأ أبو عمرو (٢) كليهما ، بالياء. لأنّ أوّل الكلام على الغيبة.
(إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) : فاقتدينا بهم. لأنّ التّقليد عند قيام الدّليل والتّمكّن من العلم به لا يصلح عذرا.
(أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (١٧٣) ، يعني : آباءهم المبطلين بتأسيس الشّرك.
وقيل (٣) : لمّا خلق الله آدم ، أخرج من ظهره ذرّيّة ، كالذّرّ. وأحياهم وجعل لهم العقل والنّطق ، وألهمهم ذلك.
وعلى هذا تدلّ صريحا الأحاديث الإماميّة.
والمقصود من إيراد هذا الكلام ـ ها هنا ـ إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العامّ بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم ، والاحتجاج عليهم بالحجج السّمعيّة والعقليّة ، ومنعهم عن التّقليد ، وحملهم على النّظر والاستدلال ، كما قال : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١٧٤) : عن التّقليد واتّباع الباطل.
وفي كتاب التّوحيد (٤) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم
__________________
(١) تفسير الصافي ٢ / ٢٥١.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٦.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٧.
(٤) التوحيد / ٣٣٠ ـ ٣٣١.