وليس فيه ، أنّه يهديه ويضلّه قطعا. ولكنّ هداية الله بمعنى : الإيصال إلى الحقّ. قد يختصّ ببعض دون بعض ، وأنّها مستلزمة للاهتداء ، وإن لم تكن في تلك الآية دلالة على ذلك فتبصر.
والإفراد في الأوّل والجمع في الثّاني ، باعتبار اللّفظ. والمعنى : تنبيه على أنّ المهتدين ، كواحد ، لاتّحاد طريقهم ، بخلاف الضّالّين.
والاقتصار في الإخبار عمّن هداه الله بالمهتدي ، تعظيم لشأن الاهتداء ، وتنبيه على أنّه كمال في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم. لو لم يحصل له غيره ، لكفاه ، وأنّه المستلزم للفوز بالنّعم الآجلة ، والعنوان لها.
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا) : خلقنا.
(لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، يعني : المصرّين على الكفر في علمه ـ تعالى ـ.
(لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) : إذ لا يلقونها إلى معرفة الحقّ ، والنّظر في دلائله.
(وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) ، أي : لا ينظرون إلى ما خلق الله ـ تعالى ـ نظر اعتبار.
(وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) : الآيات والمواعظ سماع تأمّل وتذكّر.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ [في قوله :] (٢) (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها).
يقول : طبع الله عليها ، فلا تعقل. (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ) عليها غطاء عن الهدى. (لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) ، أي : جعل في آذانهم وقرا فلم يسمعوا الهدى.
(أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) : في عدم الفقه ، والإبصار للاعتبار ، والاستماع للتّدبّر. أو في أنّ مشاعرهم وقواهم متوجّهة إلى أسباب التّعيّش ، مقصورة عليها.
(بَلْ هُمْ أَضَلُ) : فإنّها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضارّ وتجتهد في جذبها ودفعها (٣) ، وهم ليسوا كذلك ، بل أكثرهم يعلم أنّه معاند فيقدم على النّار.
(أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١٧٩) : الكاملون في الغفلة.
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٢٤٩.
(٢) من المصدر.
(٣) أوب : رفعها.