وكان النّضر رجلا جميلا ، عليه شعر. فجاء عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذ بشعره فجرّه إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فقال النضر : يا محمد ، أسألك بالرّحم الّذي بيني وبينك إلا أجريتني ، كرجل من قريش. إن قتلتهم ، قتلتني. وإن فاديتهم ، فاديتني. وإن أطلقتهم ، أطلقتني. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام. قدّمه ، يا عليّ ، فاضرب عنقه.
فقال عقبة : يا محمّد ، ألم تقل : لا تصبر قريش ، أي : لا يقتلون صبرا؟
قال : وأنت (١) من قريش؟ إنّما أنت علج من أهل صفوريّة. لا أنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له ، ليس منها. قدّمه ، يا عليّ ، فاضرب عنقه.
فقدّمه ، فضرب عنقه. فلمّا قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ النضر وعقبة ، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم. فقاموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقالوا : يا رسول الله ، قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين. وهم قومك وأساراك. هبهم لنا ، يا رسول الله ، وخذ منهم الفداء وأطلقهم. فأنزل الله عليه (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٢). فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم ، وشرط أنّه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء. فرضوا منه بذلك. وتمام الحديث مضى في سورة آل عمران.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) : كثيرا. بحيث يرى لكثرتهم كأنّهم يزحفون ، أي : يدبّون.
وهو مصدر زحف الصبيّ : إذا دبّ على مقعده قليلا. سمّي به. وجمع على زحوف. وانتصابه على الحال.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، أي : يدنوا بعضهم (٤) من بعض.
(فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) (١٥) : بالانهزام ، فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقلّ
__________________
(١) المصدر.
(٢) الأنفال / ٦٧ ـ ٦٩.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٠.
(٤) المصدر : بعضكم.