الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فسّر الاصطفاء في الظاهر دون الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ.
إلى أن قال : وأمّا الآية الثّامنة فقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى). فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فهذا فصل (١) بين الآل والأمة. لأنّ الله ـ تعالى ـ جعلهم في حيّز وجعل النّاس في حيز دون ذلك ، ورضي لهم ورضي لنفسه واصطفاهم فيه. فبدأ بنفسه ، ثمّ ثنّى برسوله ، ثمّ بذي القربى بكلّ ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك ممّا رضيه ـ جلّ وعزّ ـ لنفسه ورضيه لهم. فقال ـ وقوله الحقّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى). فهذا تأكيد مؤكّد وأثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٢). وأمّا قوله : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) ، فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب. وكذلك المسكين إذا انقطع مسكنته ، لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحلّ له أخذه. وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغنيّ والفقير منهم. لأنّه لا أحد أغنى من الله ـ عزّ وجلّ ـ ولا من رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فجعل لنفسه منها سهما ، ولرسوله منها سهما. فما رضيه لنفسه ولرسوله ، رضيه لهم. وكذلك الفيء ، ما رضيه منه لنفسه ولنبيه ، رضيه لذي القربى ، كما أجراهم في الغنيمة ، فبدأ بنفسه ـ جلّ جلاله ـ ثمّ برسوله ثمّ بهم ، وقرن سهمهم بسهم [الله وسهم] (٣) رسوله.
وكذلك في الطاعة قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤). فبدأ بنفسه ، ثمّ برسوله ، ثمّ بأهل بيته.
وكذلك آية الولاية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا). فجعل طاعتهم وولايتهم مع طاعة الرّسول مقرونة بطاعته ، كما جعل سهمهم مع سهم الرّسول مقرونا بسهمه في الغنيمة والفيء. فتبارك الله وتعالى ، ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت! فلمّا جاءت قصّة الصّدقة ، نزّه نفسه ورسوله ونزّه أهل بيته فقال :
__________________
(١) المصدر : فضل.
(٢) فصلت / ٤٢.
(٣) من المصدر.
(٤) النساء / ٥٩.