وقرئ ، بنصبها ، على تقدير : اسمعوا براءة.
والمعنى : أنّ الله ورسوله بريئان من العهد الّذي عاهدتم به المشركين.
وفي مجمع البيان (١) : إذا قيل : كيف يجوز أن ينقض النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك العهد؟
فأقول فيه : إنه يجوز أن ينقض ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك على ثلاثة أوجه : إمّا (٢) أن يكون العهد مشروطا ، بأن يبقى إلى أن يرفعه الله ـ تعالى ـ بوحي. وإمّا أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة وإما أن يكون مؤجّلا إلى مدّة.
وقد وردت الرّواية ، بأنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم ما ذكرناه.
وروي ـ أيضا ـ : أنّ المشركين كانوا قد نقضوا العهد وهمّوا بذلك ، فأمره الله ـ سبحانه ـ أن ينقض عهدهم. (انتهى).
وأمهل المشركين أربعة أشهر يسيروا أين شاءوا ، فقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) : خطاب للمشركين. أمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاءوا لا يتعرض لهم ، ثمّ يقتلون حيث وجدوا.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
قال : حدثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصّباح الكنانيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من غزوة تبوك في سنة تسع (٤) من الهجرة.
قال : وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا فتح مكّة ، لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السّنة. وكان سنّة من العرب في الحجّ أنه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه ، لم يخل له إمساكها. وكانوا يتصدّقون بها ، ولا يلبسونها بعد الطّواف. وكان من وافى مكّة ، يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يرده. ومن لم يجد عارية ، اكترى ثيابا. ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له إلّا ثوب واحد ، طاف بالبيت عريانا. فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة ، وطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده.
فقالوا لها : إن طفت في ثيابك ، احتجت أن تتصدقي بها.
__________________
(١) المجمع ٣ / ٢ ـ ٣.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أحدها.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.
(٤) المصدر : سبع. والصحيح ما في المتن.