المنبر ، وذلك بعد ما فرغ من أمر طلحة والزّبير وعائشة ، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
ثمّ قال : يا أيّها النّاس ، والله ، ما قاتلت هؤلاء [بالأمس] (١) إلّا بآية نزلت (٢) في كتاب الله. إنّ الله يقول : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ). أما والله ، لقد عهد إليّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال : يا عليّ ، لتقاتلنّ الفئة الباغية والفئة النّاكثة والفئة المارقة.
عن عمّار (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من طعن في دينكم هذا ، فقد كفر. قال الله : «(وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) ـ إلى قوله ـ : (يَنْتَهُونَ)».
عن الشّعبيّ (٤) قال : قرأ عبد الله : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) (إلى آخر الآية) ثم قال : ما قوتل أهلها بعد. فلمّا كان يوم الجمل ، قرأها عليّ ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال : ما قوتل أهلها منذ يوم نزلت حتّى كان اليوم.
عن أبي عثمان (٥) مولى بني أقصى قال : سمعت عليّا ـ صلوات الله عليه ـ يقول : عذرني الله من طلحة والزّبير ، بايعاني طائعين غير مكرهين ثمّ نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته. والله ، ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت حتّى قاتلتهم (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) (الآية).
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً) : تحريض على القتال. لأنّ الهمزة دخلت على النّفي للإنكار ، فأفادت المبالغة في الفعل.
(نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) : الّتي حلفوها مع الرّسول والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم ، فعاونوا بني بكر على خزاعة.
(وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) : حين تشاوروا في أمره بدار النّدوة. على ما مرّ ذكره في قوله : «وإذ يمكر بك الّذين كفروا».
وقيل (٦) : هم اليهود ، نكثوا عهد الرّسول وهمّوا بإخراجه من المدينة.
(وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : بالمعاداة والمقاتلة. لأنّه ـ عليه السّلام ـ بدأهم بالدّعوة
__________________
(١) من المصدر.
(٢) المصدر : تركتها.
(١ و ٤) ـ نفس المصدر ٢ / ٧٩.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٨.