المساجد ، وإنّ زوّاري فيها عمّارها. فطوبى لعبد تطهّر في بيته ، ثمّ زارني في بيتي. فحقّ على المزور أن يكرم زائره.
وإنّما لم يذكر الإيمان بالرّسول ، لما علم أنّ الإيمان بالله قرينه وتمامه الإيمان به ، ولدلالة قوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) عليه.
(وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) ، أي : في أبواب الدّين. فإنّ الخشية عن المحاذير جبليه ، لا يكاد العاقل يتمالك عنها.
(فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (١٨).
ذكره بصيغة التّوقّع ، قطعا لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم ، وتوبيخا لهم بالقطع بأنّهم مهتدون. فإنّ هؤلاء مع كمالهم ، إذا كان اهتداؤهم دائرا بين «عسى» و «لعلّ» ، فما ظنّك بأضدادهم؟! ومنعا للمؤمنين أن يغترّوا بأحوالهم ويتّكلوا عليها.
(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) «السّقاية» و «العمارة» مصدرا ، سقى وعمر ، فلا يشبّهان بالجثث. بل لا بدّ من إضمار ، تقديره : أجعلتم أهل سقاية الحاجّ ، كمن آمن. أو أجعلتم سقاية الحاج ، كإيمان من آمن. ويؤيد الأوّل قراءة من قرأ : «سقاة الحاجّ وعمرة المسجد الحرام» والمعنى : إنكار أن يشبّه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة.
ثمّ قرر ذلك بقوله : (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ). وبيّن عدم تساويهم بقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٩) ، أي : الكفرة ظلمة بالشّرك ومعاداة الرّسول ، منهمكون في الضّلالة ، فكيف يساوون الّذين هداهم الله ووفّقهم للحقّ والصّواب.
وقيل (١) : المراد بالظّالمين : الّذين يسوّون بينهم وبين المؤمنين.
وفي أصول الكافيّ (٢) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت في عليّ والعبّاس وشيبة.
قال العبّاس : أنا أفضل ، لأنّ سقاية الحاجّ بيدي.
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) بل تفسير القميّ ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤. كما نقل عنه في تفسير نور الثقلين أيضا.