وعلى الأوّل صفة «للمنافقين» ، فصل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر. أو كلام مبتدأ لبيان تمرّنهم وتمهرهم في النّفاق.
(لا تَعْلَمُهُمْ) : لا تعرفهم بأعيانهم. وهو تقرير لمهارتهم فيه وتنوّقهم في تحامي مواقع التّهم ، إلى حد اخفي عليك حالهم مع كمال فطنتك وصدق فراستك.
(نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) : نطلع على أسرارهم. إن قدروا أن يلبسوا عليك ، لم يقدروا أن يلبسوا علينا.
(سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ).
قيل (١) : بالفضيحة والقتل. أو بأحدهما وعذاب القبر. أو بأخذ الزّكاة ونهك الأبدان.
وفي الجوامع (٢) : ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم ، وعذاب القبر.
(ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (١٠١) : إلى عذاب النّار.
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) : ولم يعتذروا من تخلّفهم بالمعاذير الكاذبة.
قيل (٣) : وهم طائفة من المتخلّفين ، أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد لمّا بلغهم ما نزل في المتخلّفين.
وقدم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فدخل المسجد على عادته ، فصلّى ركعتين ، فرآهم ، وسأل عنهم. وذكر له ، أنهم أقسموا ، أن لا يحلّوا أنفسهم حتّى تحلّهم. فقال : وأنا أقسم ألّا أحلّهم حتّى اؤمر فيهم. فنزلت ، فأطلقهم.
(خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) : خلطوا العمل الصالح الذي هو اظهار النّدم والاعتراف بالذّنب ، باخر سيء هو التخلّف وموافقة أهل النّفاق.
و «الواو» إمّا بمعنى : الباء ، كما في قولهم : بعت الشّاء شاة ودرهما. أو للدّلالة على أنّ كلّ واحد منهما مخلوط بالآخر.
(عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) : أن يقبل توبتهم. وهي مدلول عليها بقوله : «اعترفوا بذنوبهم».
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢) : يتجاوز عن التّائب ، ويتفضّل عليه.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٠.
(٢) الجوامع / ١٨٥.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٠.